رجل يخجلك تواضعه ...روائي حصيف.. مؤرخ دقيق لأحوال البلاد من خلال رواياته الكثيرة والعديدة والتي تكشف جوانب خفية من تاريخ تونس ... في رواياته يكتب التاريخ المنسي بلغة سلسة ممتعة مشوقة ...هو الروائي المؤرخ الذي يعيش القارئ مع رواياته لذة اكتشاف حقائق ووقائع تاريخية تجمع بين الطرافة والغرابة والدهشة الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر، في هذا اللقاء معه يتحدث عن قراءته لحملات الانتخابات الرئاسية بعين المثقف والروائي. أين انت هذه الأيام ...في تونس ام في بلد اخر؟ لا مكان يسعني غير هذا المكان، لا ارتاح ولا اسعد بعيدا عن وطني ...انا في تونس بلدي الذي أحب... والذي اغار عليه... واحسب نفسي مستعدا لان أكون بمقدار ما املك، حصنا حصينا له... ولو كان الثمن الدم والروح ...كم مرت تونس بأحداث، ومحن، وكم تجاوزت من صعاب لتعيش الفرحة العارمة -الفرحة الأولى هي فرحة الاستقلال اذ اكتسبت سيادتها واكتسب شعبها هويته فأصبح يتمتع بكرامة المواطن الحر الابي ...اما الفرحة الثانية فحين ثار أبناء الشعب شيبا وشبابا، نساء ورجالا على الدكتاتورية وما اتسمت به من ظلم وتعد على الحقوق. فكانت ثورة الكرامة، وهذه الثورة فتحت امام التونسيين المتعطشين الى العيش الكريم آفاقا جديدة فحق لهم ان يحلموا ويؤسسوا على اجنحة الحلم الحاضر والمستقبل. أنت تحيا ملء انسانيتك ...كأنك تقول إنك تحيا بانتباه شديد لما يجري في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها تونس والكل يتابع مشدودا الى حملات الانتخابات الرئاسية؟ لا شك، فانا من بين أولئك الذين عدلوا نبض القلب على نبض الاحداث صغيرها وكبيرها في تونس منذ ان تفتحت عيناي على الدنيا...اليوم كل من في تونس وما فيها مشدودا الى ما يجري في مدنها وقراها واريافها في العلن وفي الكواليس ...الكل ينتظر ملامح الغد لان بعض مصير الامة رهن ما ستفرزه صناديق الاقتراع ... والخوف كل الخوف من هذه الصناديق التي سيقبل عليها الناس من كل فج عميق. ان يأتي الناس الى صناديق الاقتراع، فهذا مؤشر إيجابي يدل على وعي جماعي وعلى إحساس الجميع بالمسؤولية التاريخية، فهل في هذا ما يبعث على الدهشة؟ بعض مشاهد الماضي تتراءى امامي عندما تقبل الحافلات تباعا من كل حدب وصوب نحو مراكز الاقتراع تحمل جموعا مأجورة كل واحد فيها استلم مبلغا من المال وتهيأ ليشهد زورا ...اليوم تخيفني عمليات البيع والشراء. فأصوات المواطنين –ليس كل المواطنين- تتحول الى سلعة تباع وتشترى ويتحول أصحابها الى دمى تتحرك بفعل أياد خارجية مشبوهة فهي لا راي لها ولا مبدأ لها بل لا وطنية لها أليست الساحة السياسية اليوم تنبئ بكل خير، فالتنافس بين المترشحين يبدو شفافا، وكل واحد حسب مكانته وقدره عند الناس، وقربه من مشاغلهم وهمومهم؟ ظاهريا تبدو الأمور سائرة، حسب ما نتمنى. لكننا ننسى أحيانا وضع تونس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، ننسى اننا نتحرك على صفيح ساخن، فالثورة لم تكن كلها خيرا، لعلها كانت كذلك في البداية لكن الحالة تدرجت مع الأشهر والسنوات من الفرحة العارمة، الى الخوف، إلى الإحباط او ننكر المال الفاسد الذي تدفق ويتدفق على صناديق الجمعيات التي نبتت في ارجاء البلاد بالآلاف كالفقاقيع والمال الفاسد يحول الجمعيات من الالتزام بقضايا الوطن الى خدمة دافعي المال المشبوه؟ أو ننسى الأحزاب التي تتحرك على الساحة ولا أحد يضمن لنا انها غير مخترقة وأنها لا تخدم « اجندات» خارجية؟ وننسى السياحة التي يمر فيها أعضاء مجلس نواب الشعب . فاليوم هنا وغدا هناك وبعد غد هنالك ,الاكف مبسوطة لمن يدفع أكثر والأكثرية تنقل فؤادها حيث ما شاء الهوى ...نحن في وضع لا نحسد عليه فمنظومة التعليم العالي والثانوي انهارت وخرجت بأبنائنا عن المسارات الوطنية والاهداف التي رسمت منذ بداية الاستقلال ,وقس على ذلك المنظومة الصحية في المستشفيات العمومية لا تجد ابسط لوازم التطبيب والمعالجة وحتى الإسعافات الأولية ...الا ننظر في قائمة الترقيم السيادي للدول ومرتبة بلادنا في هذا الترقيم...الا ننظر الى الميزان التجاري وقد تفاقم عجزه من سنة الى أخرى... الا ننظر الى تدخل بعض الدول في سياستنا وتوجهاتنا واختياراتنا ...ان سياسات كثيرة تملى علينا من الخارج فتأخذ منا احساسنا بالاستقلال والانتماء ...الا ترى ان ساستنا المحترمين يغمضون أعينهم عن الواقع ويحاولون ايهام طبقات الشعب بأننا خير امة أخرجت للناس ... الا ترى ان الشباب العاطل من أصحاب الشهائد العليا يفقد الثقة بالساسة والسياسة والأحزاب والمؤسسات الفاعلة تتقاسم النفوذ على ممتلكات تونس حاضرها ومستقبلها ,لكن الامل يخفق في الصدور ولان الفجر آت رغم الظلمات. من من المترشحين في رأيك تتوفر فيه مواصفات الرئيس؟ - أكاد انفجر ضحكا...اتابع باهتمام شديد غير عادي ما يقوله هؤلاء المترشحون أمام مسانديهم أو في « بلاتوهات» القنوات التلفزية.. أضحك بمرارة واختنق خوفا ورعبا على مصير تونس ... وكيف لا وانا استمع الى أحدهم يسأل عن موقفه من سوريا فيجيب بأن سوريا تأتي في آخر اهتماماته فهناك قبلها وأهم منها أوروبا وليبيا والجزائر وافريقيا وغيرها. اما سوريا فلا تسأل عنها؟ كأن هذا المسؤول لا يعلم ان سوريا بلد عربي وأنها احتضنت الآلاف من أبناء تونس لكنها تعرضت وتتعرض الى أكبر مؤامرة عرفها التاريخ الحديث. فإسقاط سوريا وتقسيمها وتهميشها يعني اسقاط فلسطين من خارطة العالم العربي وسط الهيمنة الإسرائيلية على العرب من النهر الى البحر ... كيف لا وانا استمع الى آخر يرتب أولوياته فيقول ان أولى أولوياتي عدم محاكمة متعاطي "الزطلة" ... أليس هذا المسؤول يخاطب "المزطولين" ومستهلكي مادة القنب الهندي؟ من هذا المنطلق ماهي مواصفات الرئيس القادم من وجهة نظرك؟ الوطنية أولا وقبل كل شيء، وان يكون رئيسا لتونس يدافع عن سيادتها وتاريخها ومميزاتها وممتلكاتها. فلا يكون دمية في ايدي بعض القوى الأجنبية يأتمر بأوامرها ويسير وفق املاءاتها ... المهم ان يدافع عن الهوية الوطنية بالظفر والناب ...ان أي رئيس لا يدافع عن استقلالية قرار تونس ولا يكون صوتا نابعا من عزة تونس ومجدها سيكون خطرا محدقا على الجميع وستنزل تونس تبعا لذلك درجات ...إن كل الامل ان نصعد درجات السلم لا ان نسقط منه تماما ...اتمنى ان يكون الرئيس القادم المحامي الأول والمدافع الشرس عن حرمة التعليم وحرمة الصحة وان يكون السند الدائم للفقراء والعاطلين عن العمل والذي يحول دون هيمنة المتنفذين على القرار السياسي و الإداري والمالي من رجال الاعمال وممتهني الفساد والمتعاونين مع الخلايا النائمة من الإرهابيين هل تطمح الى ان تكون مسؤولا بدرجة ما في مرفق من مرافق الثقافة او السياسة وانت الذي اشتغلت في الجامعة العربية برتبة وزير؟ -لو عرضت عليّ اهم مؤسسة او عرض عليّ مال الدنيا لا ما راودتني للحظة الرغبة في قبول أي منصب. فأنا في وضعي الاجتماعي لا اشكو شيئا ..اترى هناك ما هو اسعد من امتلاك الحرية الشخصية والتصرف في الوقت حسب المشيئة الشخصية... إني أحيا بين كتاب ومجلة وبين طبيعة يحتضنني ماؤها وشجرها وتشرق عليّ شمسها...أنا اسعد من أي رئيس جمهورية في العالم. فلا أعيش حالة خوف ولا أهاب تهمة فساد او رشوة او انحياز الى فئة دون أخرى ولا تهمة استعمال نفوذ في غير محله ...أليس الكاتب –انا وغيري- المستقل والكتابة المستقلة رحمة ونعمة .