لم يكن لرجال الاعمال في تونس الاستقلال دور مثل الذي أصبح لهم اليوم فبعد ان كانوا مبعدين الى حد كبير من عالم السياسة أصبحت الكلمة الاولى لهم الآن. تونس الشروق: المال والسياسة صراع مستمر في الكثير من البلدان وهناك من تمكنت من استغلاله لتحقيق توازن بين الحرية التي يتيحها القانون لرجال الأعمال كمواطنين لهم كامل الحقوق السياسية وبين تحصين الحياة السياسية بدرجة معقولة من رأس المال وفي هذا السياق كانت هناك صراعات كبيرة مثلا في امريكا السبعينات بين رجال الاعمال والنقابات حول دروهم السياسي وفي لبنان أيضا وايطاليا. صراع تفرضه المرحلة وبالنسبة الى تونس كانت هناك دائما مخاوف من رأس المال على الحياة السياسية ما ادى الى ابعادهم طيلة عهد الزعيم الحبيب بورقيبة تقريبا عن العمل السياسي واقتصرت علاقتهم بذلك العالم المحرم بالتمويلات التي يقدمونها للحزب الحاكم سواء في انشطته الحزبية او المجتمعية. ولم تتغير العلاقة بشكل كبير خلال عهد زين الابدين بن علي لكن أصبح هناك صراع خفي خاصة في بداية عهده بين الحزب ورجال الأعمال حيث انه كانت هناك مخاوف من ان يبسط أصحاب رؤوسا الاومال نفوذهم على الحياة السياسية ويصبح القرار السياسي بأيديهم لذلك كانت هناك حالة شد وجذب بين بن علي ورجال الاعمال. وادى ذلك الى رسم صورة متذبذبة بين بن علي ورجال الاعمال الذي تم حصرهم في جانب تمويل انشطة التجمع وتلبية مطالب لجان التنسيق في التمويل وفي الاثناء كانت هناك حالات قليلة من التداخل بين المال والعمل السياسي لكن كان بن علي يقوم بكبح جماحها كلما حاولت التطور ونذكر هنا صراعه مع كمال اللطيف في حدود سنة 2005 وصهره سليم شيبوب أيضا وفي السنوات الاخيرة من حكمه بدأ أصهاره خاصة في اقتحام عالم السياسة. تونس اليوم مثلت حالة الانفتاح التي فرضتها الارادة الشعبية بداية سنة 2011 فرصة لرجال الاعمال الذين تخلصوا من سطوة بن علي على الحياة السياسية وسارع عدد كبير منهم الى ممارسة العمل السياسي جهرا وسرا سواء لتحقيق مكاسب اقتصادية واعتبارية او للحصول على حصانة سياسية خاصة وان الظروف حينها كانت تهدد الكثيرين منهم. وبمرور الوقت تكونت في تونس طبقة سياسية جديدة تمثل رجال الاعمال السياسيين او أصحاب النفوذ السياسي وان لم يحتلوا واجهات الاحزاب والبرلمان او رئاسة الجمهورية حتى انه أصبح هناك نوع من الصراع الجديد حول السلطة وهو صراع رجال الاعمال حول السلطة وعلى مكوناتها. اذن هي ظاهرة بدات تتأصل في المجتمع التونسي منذ ثماني سنوات وفي كل محطة سياسية انتخابية كانت او غير ذلك لابد ان يبرز دور رجال الاعمال ففي الانتخابات الرئاسية الحالية مثلا يبرز دور عدد من هؤلاء اما كمترشحين او او كمرشحين لشخصيات سياسية اخرى أو كمسيرين لحملات عدد من المترشحين او رافضين لدعم مترشحين آخرين. وفي هذا السياق نذكر مثلا من بين المترشحين سليم الرياحي ونبيل القروي وسلمى اللومي وحاتم بولبيار والمهدي جمعة كما نجد عددا من المرشحين محاطين بحزام من رجال الاعمال من بينهم يوسف الشاهد معه كل من كمال الحمزاوي والمهدي بن غربية ولطفي علي وزهرة ادريس والمنصف السلامي والبشير بن عمر. اما بالنسبة لنبيل القروي يدعمه كل من رضا شرف الدين وبالنسبة لعبد الفتاح مورو محمد الفريخة طبعا هنا نتحدث عن رجال أعمال في الواجهة ويشاركون في الانشطة السياسية لمرشحين او هم قيادات في احزابهم ايضا لكن هناك قسم مازال يفضل العمل من وراء ستار خاصة بالنسبة للعائلات الاقتصادية التقليدية. وتبرز قيمة دعم رجال الاعمال لهذا المرشح أو ذاك خاصة من خلال مصاريف الحملات الانتخابية وتنوع التحركات خلالها وحتى الجمهور المشارك أصبح في كثير من الاحيان مهمة موكولة الى شركات مختصة في توفير الجمهور. على قدر رجال الاعمال مثلت مسألة الحصانة الشغل الشاغل لعدد من رجال الاعمال بعد جانفي 2011 خاصة خلال مرحلة المصادرة وتغلغل عدد من رجال الاعمال في الاحزاب في تلك الفترة للحصول على حمايتها أو الحصول على دعمها للوصول الى نيل حصانة شعبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ثم في انتخابات 2014 وتابعنا عدد رجال الاعمال الذين حصلوا على تلك الحصانة. وبالرغم من ذلك الا ان هناك عدد من رجال الاعمال الذين دفعت الرغبة في ممارسة العمل السياسي للحصول على قيمة اعتبارية الى جانب قيمتهم المالية والتحول الى شخصيات عامة قادرة على المشاركة في الشان العام عبر بوابة السياسة. اما بالنسبة الى الدافع الثاني فهو ليس مجرد تكهنات وانما رأينا امثلة خلال السنوات المنقضية عن رجال اعمال دخولا الى عالم السياسة للاستفادة من علاقتهم بمسييري الدولة للحصول على امتيازات في المناقصات العمومية وتجاهل اخطائهم وكان هناك نواب في البرلمان حصلوا على امتيازات كرجال اعمال في صفقات عمومية. هي معادلة كما قلنا طرحت في كل الأنظمة الديمقراطية ودارت حولها صراعات كثيرة حتى توصلوا الى حلول تضمن مشاركة رجل الاعمال لكن تحصن الحياة السياسية من مخاطره عليها في الوقت ذاته. عز الدين سعيدان..تأثيرات سلبية يرى الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن الهدف الحقيقي للانتخابات يكمن في تجسيد الارادة الحقيقة للشعب بوصفه صاحب الارادة غير أن هذه الارادة في رأيه يمكن أن تتقاطع مع تأثيرات المال السياسي الذي يوفره رجال الاعمال، والذي من شأنه التأثير سلبيا في توجيه الناخبين وشدد عز الدين سعيدان على أن المنطق القانوني يفرض سقفا للانفاق في الحملات الانتخابية ويضبط ايضا قانون الاحزاب طرق التمويل غير أن الاخلال بهذه المبادئ من شأنه ان يؤدي الى تداخل خطير يُبرز رجال اعمال في المشهد السياسي منقطعين عن خدمة مصالح الشعب ومنصرفين نحو المصالح الضيقة وخلص سعيدان الى أن الحل الامثل لمنع التداخل السلبي بين رجال الاعمال و الشأن السياسي يكمن في تكفل الدولة بتمويل الاحزاب و الحملات لافتا الى ان هذا الحل غير ممكن ومستحيل في ظل ضعف الدولة عبد اللطيف الحناشي..هناك نوعان من رجال الاعمال كان لي بحث نشر في كتاب سنة 2014 وكان فيه مسح كامل أسميته الولاءات التحتية وهي الولاءات الفرعية أي الولاء للقبيلة او العشيرة او رئس النادي الرياضي وأكدت في هذا البحث على دور رجل الأعمال في العهدين. هي ليست ظاهرة خاصة بتونس فقد برزت منذ الحرب العالمية الثانية ولعبوا دورا كبيرا، في تونس أخذت أبعاد جديدة أولها عدم وجود شخصيات ونخب يمكنها ان تحتل مراكز متقدمة بقدراتها الخاصة فتلتجئ الى رؤوس الأموال. الظاهرة الثانية رأيناها في لبنان وايطاليا رؤوس أموال تعمل في مشاريع خيرية مثل رفيق الحريري كانت له أعمال خيرية وكانت له قناة وجريدة المستقبل، أي آلة إعلامية قوية بالتالي هاته الظاهرة يبدوا انها لسيقة بالتحول الديمقراطي وفي تونس عاش هؤلاء على هامش المشهد السياسي لفترة طويلة فاستغلوا الفرصة للعب دور. هناك نوعان من رؤوس الأموال منها من له أصول قديمة أب عن جد هم عائلات تقليدية لها ثقل اقتصادي وسياسي وكانوا يلعبون دورا بشكل غير مباشر لكن الخطير جدا هي الطبقة الجديدة التي جمعت ثرواتها في إطار النظام السابق لكن تمددت وتوسعت بعد الثروة وأموالهم جاءت من التهريب وتبييض الأموال وابتزاز الدولة التونسية وهؤلاء يمثلون خطرا على الدولة التونسية. النوع الاول هو الراسمالية التقليدية والثاني الراسمالية الصاعدة والثانية تستفيد وتنهب دون ان يستفيد منها الشعب، هؤلاء لديهم طمع لان يقوموا بمشاريع ويتحايلوا على القانون وتساندهم الدولة ويكون لهم نفوذ واقعي.