نطوي نصف المدة القانونية للحملة الانتخابية الرئاسية ، حملة بدأت في الحقيقة منذ ان أودَعَ المرشّحون والمترشحون ملفاتهم وربما قبل ذلك للبعض.. كان الجميع ينتظر عرسا ديمقراطيا يزفّ فيه الشعب الربان الذي ستعهد اليه قيادة السفينة بحكمة ومسؤولية عابرا الامواج العاتية في ليال سادها الظلام لسنوات. لكن،،، اول ما بادر المترشحون الى إبلاغنا به هو ان هناك ثغرات، بريئة او متعمّدة، في القانون الانتخابي . وكأنما هو صيغ حديثا ولم نعمل به في استحقاقات سابقة .. ثم شددوا على ان الدستور الذي صيغ لنمط الحكم والذي وصف يوم ختْمه بأنه « الاقوى» ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،هو الآخر به ثغرات أكبر بل عقبات عطلت مسيرة الوطن. وفيما كان الشعب الكريم ينتظر ان يسمع كلاما يطمئنه على ان صبره هذه السنوات لن يطول أكثر، وان مرحلة الدّمْدَمة وراء الجدران المغلقة سوف تنتهي بصَيِّبٍ يروي الزرع ويملأ الضرع ،فإذا به يرى فرسان السباق، وحتى نكون منصفين جلّهم لا كلّهم، يمتشقون سيوف الألسن والمال والإعلام وغيرها وينطلقون باتجاه هدف واحد أحد هو سكنى قصر قرطاج بأي ثمن ،محاولين جرّ اكبر عدد ممن لا يملكون الا الاصبع يغمسونه في محبرة مكاتب الاقتراع لمنحهم ما يكفي من البطاقات للعبور الى الدور الثاني المنتظر.. ولم يكتفوا باللهاث نحو هذا الهدف مسلَّحين بما يملكون من قدرة على الاستقطاب. بل تلَهَّوْا عن ذلك احيانا بالعمل على عرقلة سعي بقية المتسابقين بالضرب ذات الشمال وذات اليمين. وهكذا حادت هذه الحملة الانتخابية عن مضمارها المرسوم.. ونسي المتسابقون حدود ما هو ممنوح لرئيس الجمهورية من صلاحيات وباتوا يغدقون في إطلاق الوعود يمنة ويسرة ، مجتهدين في اصدار الفتاوى حول صلاحيات مجلس الامن القومي ، مانحين مفهوم هذا الامن القومي كل المعاني المتصوَّرة ، حتى أمن أسعار الباذنجان والفلفل والرمان. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد . بل فُتح الباب امام وضع سريالي يتمثل بالخصوص في وضع مترشحين اثنين أحدهما خارج البلد ممنوع بالضرورة من الدخول والثاني داخل السجن ممنوع بالضرورة من الخروج.. وبالتدريج تحولت هذه الحملة الى نار تسري في هشيم الماضي القريب والحاضر، ساعدتها رياح الاعلام الخاص المتجاوز لكل الضوابط ، والاعلام الشعبي المتمثل في وسائط الاتصال الالكترونية التي مكنت كل فرد من أن يكون قناة واذاعة.. وبدأ الكشف صدقا او تجنّيا عن السقطات لهذا او ذاك. وطفحت الاسطح والشبابيك بغسيل تُهم يكيلها فلان الى علّان. ومن حملة أردناها حملة المجادلة بالبرامج والمقارعة بما يجعلنا نختار الاقدر على خدمة الوطن الى حملة سِمَتُها التّناهش بالأظافر والأنياب تلوث ماء وجه المترشحين، وتُسيل دماء الناخبين، وتحفر نُدوبًا في جسد ديمقراطية أردناها صادقة عفيفة راقية .