يلاحظ المتابع للحوارات مع المترشحين للانتخابات الرئاسية سواء بصفة فردية أو خلال المناظرات الجماعية غياب موضوع القضية الفلسطينية بشكل مثير للانتباه في حين أنها قضية تحظى بإجماع شعبي منذ عقود فضلا على ما تضمنه دستور 2014 من تكليف لرئاسة الجمهورية بالسياسة الخارجية التي تنضوي تحتها هذه القضية. فقد نص الدستور في الفصل 77 على أن رئيس الجمهورية يختص «بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية «. لذا كان من المفروض أن تتمحور الأسئلة الموجهة للمترشحين حول هذه المجالات بصفة رئيسية والتي من أهمها الموقف من القضية الفلسطينية في ظل ما شهدته وتشهده من تآمر خاصة في السنوات الأخيرة من خلال ما سمي بصفقة القرن التي تستهدف حرمان الشعب الفلسطيني من استرجاع أرضه وشطب حق العودة وتحويل القدس إلى عاصمة للكيان الصهيوني. إلا أن أغلب الصحفيين وخاصة منهم المشرفون على المناظرات نسوا أو تناسوا هذه القضية سواء في باب السياسة الخارجية أو عند الحديث عن الأمن القومي ( طبعا كلمة « القومي» بالمفهوم المستعمل في تونس وليس بمفهوم « العربي» مثلما يفترض أن يكون) الذي تحول إلى مجال عام يحشر فيه كل شيء من حوادث محلية وأحداث يومية باستثناء فلسطين. فهل يمكن أن نضمن الأمن القومي دون التصدي لمحاولات التطبيع الاقتصادي الذي ما انفكت تتهدد بلادنا على غرار ترويج بضائع صهيونية في الأسواق التونسية والأمثلة على ذلك عديدة ؟ وهل يمكن أن نطمئن على أمننا القومي بعد أن أقدم الموساد في وضح النهار على اغتيال المهندس محمد الزواري في مدينة صفاقس والافلات دون أن يتم إلى اليوم كشف الحقيقة أو محاكمة المجرمين ؟ وقبل ذلك تم العدوان في وضح النهار على القيادة الفلسطينية في حمام الشط واغتيال المناضل خليل الوزير أبو جهاد. والحقيقة أن تجنب إثارة الموضوع في الحوارات مع المترشحين لرئاسية ليس بغريب في ظل ما عرفته بلادنا منذ سنة 2011 من انغماس في القطرية وتركيز على قضايا جزئية مقابل تهميش القضايا القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين وعدم التعرض إلى ممارسات الكيان الصهيوني والاستعاضة عن مجال « الوطن العربي» بمجال « المنطقة المتوسطية « بما يسمح بإدماج الكيان الصهيوني. لذلك صح وصف الفترة المذكورة بالربيع العبري وليس العربي. لقد تمت صياغة الأسئلة وادارة الحوارات بطريقة لا تترك المجال للخوض في هذه القضية. لكن وبالعودة إلى تعهدات المترشحين في برامجهم نجد أن بعضهم تناولها بصفة عرضية مثل الدكتور عبد الكريم الزبيدي الذي أعلن عن « دعم القضايا العادلة وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني وحقه في استرجاع حقوقه الوطنية كاملة» وأنه « يلتزم الحياد في كل شيء إلا في قضية فلسطين فهو منحاز». ونظرا لارتباط دعم القضية الفلسطينية بالتصدي للمؤامرة على سوريا فإن المطالبة بإعادة العلاقات مع الدولة السورية تمثل دعما فعليا للقضية الفلسطينية بسبب صمود سوريا أمام الهجمة الاستعمارية الصهيونية بينما يصطف مرشحو الترويكا في المعسكر المعادي للقضية الفلسطينية بعد أن قطعوا العلاقات مع سوريا واستضافوا مؤتمرا للتآمر عليها وساهموا في التغرير بالشباب وتسفيرهم للانضمام إلى العصابات التكفيرية الارهابية حليفة الكيان الصهيوني. ومن ناحية أخرى فإن بعض المترشحين أعلنوا تبنيهم للقضية الفلسطينية في حين أنهم يربطون علاقات مع اليسار الصهيوني الذي ليس سوى جزء من الكيان المحتل ويطالبون بإعادة العلاقات مع سوريا لكن مع الشعب دون نظامه وتلك مفارقة غريبة. إن تحصين الأمن القومي من قبل رئيس الجمهورية القادم واتباع سياسة خارجية تكون وفية لأرواح أبناء تونس الذين استشهدوا فداء لفلسطين منذ سنة 1948 إلى اليوم رهين اعتماد استراتيجية وطنية تعلن بوضوح تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ودعم كل فصائل المقاومة العربية وفي طليعتها المقاومة في فلسطين التي ما انفكت تقدم دروسا في الصمود على غرار مسيرات العودة المتواصلة دون كلل منذ شهر مارس 2018.