كلام خطير ذلك الذي نطق به المرشح منصف المرزوقي على هامش اختتامه حملته الانتخابية أمس في باجة. المرزوقي قال في ما معناه إن الفاسدين هم من أخرجوه من قصر قرطاج وإنه يسعى إلى إخراجهم في حالة فوزه بالرئاسية. وهذا يتحمل العديد من المقاصد منها الخطير ومنها فوق ذلك. فالقول إن الفاسدين هم من أخرجوا المرزوقي من قصر قرطاج يوحي للوهلة الأولى بحصول انقلاب غير شرعي على الرئيس الشرعي، وبما أننا نعلم كلنا بأن الباجي لم ينقلب على المرزوقي فإن الفرضية الثانية المطروحة لا تقل خطورة عن الأولى وهي الطعن في شرعية الانتخابات الرئاسية الماضية. يمكن للانتخابات أن تكون مزورة. فقد عهدنا هذا التزوير قبل الثورة. ولكن ما العمل إذا كان العالم كله بمن فيه المرزوقي اعترف بنزاهة انتخابات 2014 وشفافيتها وصحتها. في رئاسية 2014 تنافس الباجي مع المرزوقي وقدما درسا في التنافس النزيه برهن عليه تقارب النتائج. إذ من الحالات النادرة أن يفوز رئيس على منافسه في العالم العربي بنسبة 53 بالمائة. بعدها كان بالإمكان أن تتواصل الدروس بالرغم من عدم تجاوزنا المرحلة التلمذية في الديمقراطية فيعترف المنهزم بفوز خصمه ويعترف الفائز باجتهاد خصمه في المنافسة ثم يأتي الدرس الموالي بتسليم السلطة… هذا كله تحقق قبل أن يقع ما يشبه القطيعة الابستمولوجية مع ما يتوجب فعله، فالمرزوقي نكص على عقبيه وبات لا يفوت فرصة واحدة دون التشكيك في الباجي بصفة خاصة وحزبه (نداء تونس) بصفة عامة والمنظومة الحاكمة بصفة أعم مع رميهم كلهم بالفساد. يمكن تفهم أسلوب المرزوقي، فقد كان في المعارضة ومن صالحه أن يوزع الاتهامات بغض النظر عن مدى صحتها وعن وسائله في إثباتها لكن ما لا يمكن قبوله أو تفهمه هو أن يتواصل الأسلوب ذاته في إطار لا يتحمله. فالباجي غادرنا إلى عالم آخر. ولم يبق في الرئاسة غير القائم بمهامه محمد الناصر وموظفي الرئاسة وعملتها، فلا يبقى أي معنى ولا ذوق ولا أخلاق للقول إن الفاسدين أخرجوا المرزوقي وإنه سيخرجهم بالقوة لينتقم منهم على حد قوله. نحن في بلد لا يؤمن بالانتقام مهما كانت طريقته بل يؤمن بالمحاسبة على أن تتم مجازاة المحسن ومعاقبة المخطئ. وهذا العقاب يصدره أحد طرفين فإما أن يكون القضاء العادل وإما أن يكون الناخب الواعي، وفي الحالتين لا دخل لرئيس الجمهورية في مسألة العقاب حتى لا يكون مدعيا وقاضيا وشاهدا ومنفذ أحكام في آن واحد. غدا يقف جميع المترشحين للرئاسية على خط انطلاق واحد، وقبل أن تختار تونس رئيسا رصينا وواعيا بخطورة كل كلمة يقولها، ستكون في أمس الحاجة إلى مرشحين مسؤولين يثبتون جدارتهم بالترشح عبر احترام بقية المنافسين والتشارك معهم في إنجاح العرس الانتخابي.