يتوجه غدا التونسيون لمكاتب الاقتراع لاختيار رئيسا جديدا للجمهورية في سباق انتخابي سابق لأوانه عقب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 جويلية الماضي. انتخابات ابرزت وجها جديدا للمترشح والناخب حيث تحولت الانتخابات الى امتحان بالنسبة للأول ورهان بالنسبة للثاني. تونس(الشروق) يصمت اليوم الستة وعشرون مترشحا للرئاسية التزاما بما تنص عليه الرزنامة الانتخابية التي حددتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. صمت يأتي بعد أسبوعين من الحملة الانتخابية خاض فيهم المترشحون ماراطونا حقيقيا من التنافس والتلاسن وتشويه بعضهم البعض وفي الاثناء ابدى الناخب حالة من النضج في متابعة هذه الحملة فالتونسي في لقائه بالمترشحين وفي تصريحاته عبر وسائل الاعلام وفي نقاشاته في الفضاء العام وفي تعبيراته في منصّات التواصل الاجتماعي لم يبد اصطفافا اعمى للمترشحين ولم يخض صراعات الشتم والتشويه بل كان متلقيّا لكل ما يدور من حوله ويطرح الأسئلة التي يريد بحثا عن إجابة وهو الذي يبدو انه عرف قيمة صوته وبقدرته على تغيير الكثير من الأمور وفقا لما يستخلصه نشطاء ومتابعون. نهاية التصويت الايديولوجي في العام 2011 كان الانتماء الايديولوجي والشحنة العاطفية مقياسا للاختيار في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وكانت تصريحات الناخب اندفاعية وانفعالية وكان من السهل عليه التصويت عاطفيا للعائلة السياسية التي يراها تمثله وهو الذي عاش عشرات السنين من الاميّة السياسية تحت ظلّ هيمنة الحزب الواحد وفي ظل الدكتاتورية. وفي السنوات التأسيسية الأولى بدأت نواتات السياحة الحزبية تظهر تحت قبة البرلمان وبدات بوادر الانقسامات في الأحزاب من ذلك انفجار حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي كان يضم بضعة اشخاص فقط من مؤسسيه خلال بداية العام 2011 ليفوز بعد اشهر قليلة بالمرتبة الثانية في انتخابات المجلس الوطني التاسيسي وهو الذي لم ينظم حتى مؤتمره التاسيسي. ولكن معجزة حزب المؤتمر من اجل الجمهورية اصطدمت بالنواة الأولى للسياحة الحزبية والانقسامات وهو أيضا الواقع الذي واجهته كتلة العريضة الشعبية. وفي الانتخابات العامة الجديدة سنة 2014 والتي تم خلالها ولأول مرة في تاريخ تونس انتخاب رئيس جمهورية انتخابا حرا ومباشرا كان الناخب يواجه تناحرا بين مرجعيتين وهما المرجعية الإسلامية والمرجعية الحداثية البورقيبية وكانت الأمور محسومة بالنسبة لانصار المرجعيتين. وانخرط الناخب في ظل تلك الأجواء من التناحر في حملة التنافس المحموم وكانت وجهته الانتصار لمرجعيته وليس لبرنامج المتنافسين. اما في الانتخابات العامة الجديدة والتي تبدأ أولى فصولها يوم غد الاحد 15 سبتمبر فإن جلّ الأمور تغيرت إذ تغيّر المترشحون واصبحوا شتاتا من العائلة السياسية الواحدة وتغيّر الناخب بانتباهه لقيمة صوته خاصة بعد ماراطون السياحة الحزبية التي عاينها تحت قبة البرلمان طيلة 5 سنوات. نضج ووعي في فضاء التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك الذي يمثّل أكثر الفضاءات استخداما في تونس في التنافس الانتخابي لاح نضج كبير للناخب التونسي والذي لزم صمته وفسح المجال لأنصار المترشحين للتنافس والدخول في صراعات افتراضية من الشتم والسباب. لم ينخرط الناخب في الاصطفاف الاعمى وهذا برز من خلال عدم نشره لصور المترشحين الذين يدعمهم بقدر ما اكتفى بنشر كل الصور الهزلية والتعليقات الساخرة التي طالت كلّ المترشحين. كان فايسبوك طيلة الأسبوعين الماضيين منصّة فوقها يتحرك المترشحون وخلفهم يصفق لهم الأنصار والموالون والمقربون وكان الناخبون جمهورا عريضا يتابع ويلاحظ ويختار. هذا نضج تونسي استثنائي يتحدث عنه مراقبون ومتابعون متوقعين ان يكون له ظلّه يوم غد لاختيار رئيس جديد. وهذا النضج مردّه اكتساب التونسي ثقافة عامة سياسية وهو الذي ظلّ مبعدا عن الشأن العام لسنوات طويلة في ظلّ الدكتاتورية. وقد سمحت سنوات الانتقال الديمقراطية والنقاش الدائر في الفضاء العام حول الحياة السياسية من اكتساب الناخب التونسي فكرة وتصور حول كيفية مشاركته في الحياة العامة وعرف قيمة صوته حتى لا يكون ضحية للسياحة الحزبية التي لا تخدم مشاغله. في المحصلة هذا فصل جديد من النموذج التونسي سيحل يوم الغد وهي المرة الأولى التي يصعب فيها استشراف النتائج في محطة انتخابية كانت امتحانا حقيقيا للمترشحين من خلال حملاتهم الميدانية والتي التقوا فيها بناخب له تساؤلاته ومشاغله وله مطالبه وتعبيراته حول وعيه الكامل بدوره في الشان العام ومن خلال مناظرات تلفزية كانت الأولى من نوعها حيث دخل المترشحون الى بيوت الناس مباشرة وقدموا آرائهم ومواقفهم من القضايا التي تُطرح حولها أسئلة. كانت الحملة الامتحان العسير بالنسبة للمترشحين وكانت تحدّي حسن الاختيار بالنسبة للناخب. فهل يكون لهذا النضج والوعي الكامل الذي ابداه الناخب ظلّ على مستوى الاقبال يوم الغد. ربّما. عبد اللطيف الحناشي (أستاذ تاريخ معاصر) محطة تاريخية جديدة وتغير في ذهنية السياسي والناخب تونس(الشروق) حاورته أسماء سحبون 15 سبتمبر 2019 موعد انتخابات رئاسية سابقة لأوانها هل نحن أمام محطة تاريخية جديدة ؟ الأوضاع تغيرت بشكل كبير على مستوى الذهنية والعقليات سواء لدى الفاعل السياسي أو الفاعل الاجتماعي. ففي السابق لم تكن لدينا طبقة سياسية وتعددية بالمصطلح الدقيق والمفهوم الصحيح كان عندنا نظام واحد وحزب واحد واليوم أصبحت لدينا تعددية. ولم تعد السياسة محتكرة من قبل النخبة. فالكل يتحدث في أمور الدولة والشأن العام. والنخبة تغيرت باعتبارها أصبحت مفتوحة. كنا في السابق أمام عدد قليل من المترشحين. بل إن التاريخ يقول إن هناك من المترشحين من قال يوما أنا مترشح من المعارضة. ولكنني سأصوت لبن علي. هذا التغيير الذي نعيشه هو نتيجة الحرية التي نحن بصدد التمتع بها. والإعلام لعب دورا في هذا المسار. من خلال ما عاينته في مختلف المحامل في الميديا التقليدية أو الاجتماعية وفي الفضاءات العامة كيف كان تفاعل الناخب مع الحملة الانتخابية؟ الناس انشدوا للحملة الانتخابية. وهناك نسبة كبيرة اقتنعت أن أصواتها عندها أهمية. ويجب أن تحسن توظيفها. هناك اهتمام بالحياة السياسية والرغبة في المشاركة زادت لكن باحتراز باعتبار ان في 2014 لم تكن هناك مناظرات تلفزية. وكان الصراع محسوما بين مرجعيتين. الناخب اليوم يواجه تشتتا كبيرا في الترشحات. وهذه الانتخابات تحصل في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية حادة وفي ظل ازمة سياسية حادة وازمات حزبية حادة. اذ هناك أحزاب في طريقها الى الاندثار وسياسيون في طريقهم الى الاندثار أيضا. هل سيكون لهذا الاهتمام المتزايد بالشأن العام والحياة السياسية ظل على مستوى الاقبال في انتخابات يوم الغد؟ هناك إقبال كبير في التسجيل وهناك اهتمام كبير بالشأن العام والحملة الانتخابية. وقد يكون لكل هذا فعلا ظل على مستوى الاقبال على الاقتراع يوم غد. وعموما تأتي هذه الانتخابات في ظرفية متأزمة وفي فترة زاد فيها منسوب عدم الثقة بين الفاعل الاجتماعي والفاعل السياسي. ونتمنى اقبالا كبيرا فهي انتخابات هامة. ستحدد مستقبل البلاد. والمطلوب من الجميع ممارسة حقه في التصويت لمن يراه الأفضل لقيادة البلاد.