اليوم يتبارى 24 مرشحا على الفوز بشرف رئاسة الجمهورية التونسية… في هذا الامتحان يكرم كل مترشح دون أن يهان لكن الامتحان الحقيقي للتونسيين كلهم، فأمامهم فرصة نادرة لتحقيق فوز عالمي باهر أو فشل مدو. 24 مترشحا يقفون اليوم على خط انطلاق مستقيم توفرت فيه مبدئيا شروط التنافس النزيه وحصل فيه كل مترشح على الضمانات كلها وحافظ فيه على حظوظه جميعها دون هرسلة هذا أو التضييق على ذاك. 24 مترشحا كان بالإمكان أن يكونوا 26 لو لم ينسحب اثنان في آخر لحظة لأسباب استراتيجية أو حسابية، وكان بالإمكان أن يكونوا 97 لو توفرت الشروط في جميعهم، وكان بالإمكان أن يكونوا بالآلاف لو لم يتم تقييد إجراءات الترشح بشروط تبدو لأغلب الملاحظين شروطا معقولة لكن حتى لو ترشح عشرون فقط أو نصفهم فإننا نقدم درسا مهما من بلد يتحسس خطاه الأولى في درب الديمقراطية. في هذا البلد كان الفائز بالانتخابات معروفا قبل خوضها، وكانت نسبة الفوز معلومة قبل حلول موعد الاقتراع، وكانت المنافسة لا تتسع إلا لمترشح أو اثنين أحدهما صوري لتوفير الشرعية المطلوبة والثاني من باب التحدي رغم ما يخلفه هذا التحدي من تضييق وتهديد ووعيد. اليوم يمكن لكل تونسي أن يقدم مطلب ترشحه فيتم قبوله بالورد قبل التأكد من مدى توفر الشروط وهذه نعمة ديمقراطية لم نتذوقها من قبل ولم تعرف عديد البلدان حلاوتها إلى اليوم لكننا لم ننجح بعد لأن الامتحان مازال متواصلا وإمكانية الفشل واردة رغم ظهور بوادر النجاح. فالانتخابات الحالية شهدت قدرا كبيرا من الاعتراضات والتذمرات والتشكيكات والتشكيات والاتهامات... منها ما يتعلق بتطويع موارد الدولة ووسائلها لخدمة مترشح دون آخر، ومنها الاستخفاف باعتراض بعض المترشحين المرفوضة ترشحاتهم، ومنها التدخل في سير القضاء لإيقاف هذا المترشح في اللحظات الحاسمة أو حرمان ذلك المترشح من دخول أرض الوطن للاشراف بنفسه على حملته الانتخابية… الاتهام لا يعني صحة الادعاء فالأكيد ان في بعضها شيئا من المبالغة وفي بعضها الآخر بعض المغالطة ولكن الثابت أن تونس كانت قادرة على تفادي كل هذه السلبيات لو تم تنصيب المحكمة الدستورية في إبانها وتنقيح القانون الانتخابي في أجله، وفتح التحقيقات القضائية وإيقاف المخالفين أو المتورطين في الوقت المناسب. هذه الأخطاء كانت سببا في ظهور أخطاء أخرى تسيء لأصحابها أكثر مما تنفعهم وتشوه صورة تونس فيما كان العالم ينظر إليها بإعجاب. من هذه الأخطاء أن يركز بعض المترشحين على تشويه خصومه أكثر من تركيزه على برنامجه الانتخابي، وأن يقضي بعض آخر حملته الانتخابية في السخرية من منافسيه، وأن يشجع بعض ثالث أنصاره على هرسلة خصومه وحتى الاعتداء عليهم بالقول والفعل، وأن ينفق بعض رابع أمواله الطائلة على شراء ذمم من لا يعرفونه ولا يعرفون برنامجه، وأن يستخف بعض خامس بعقول الناخبين فيعدهم بما لا يملك… هي أخطاء كثيرة تضاف إلى أخرى لا يمكن قبولها فجل المرشحين المتحزبين يطالبون بالبر وينسون أنفسهم ذلك أنهم لم يترشحوا بناء على انتخابات داخلية نزيهة وشفافة يشارك فيها أبناء أحزابهم بل وقع ترشيحهم غصبا عن إرادة أبناء أحزابهم. عذرنا الوحيد أننا مازلنا تلاميذ في مدرسة الديمقراطية لكن الثابت أننا استنفدنا حقنا في الأخطاء فالمطلوب اليوم أن يدور الامتحان في ظل احترام المنافسين وشروط المنافسة وأن يستعد كل مترشح لتهنئة الفائز أو الفائزين أكثر من استعداده للفوز، وأن يقدم الناخبون درسا في الديمقراطية من حيث كثافة الإقبال والالتزام بشروط التصويت. اليوم نستوفي حقنا في الخطإ وفي الخلط بين الأبيض والأسود لنجد أنفسنا أمام فرضيتين لا ثالث لهما: إما أن نرسخ أقدامنا في عالم الديمقراطية ونكون مثلا جيدا لغيرنا وإما أن نسقط في الامتحان ونصبح هدفا رائعا للتندر والاستهزاء… قدر تونس أن تنجح، فلا عاش من أراد بها سوءا.