أحدثت نتائج الانتخابات الرئاسية زلزالا سياسيا خلّف رجّة وسيلا من التساؤلات والنقاشات وحتى الاتهامات لفهم ما جرى...ماهي أسباب هذه النتائج المفاجئة؟ وهل هي مجرّد نكسة لبعض القوى أم أنها هزيمة مدوّية ستتواصل خسائرها؟. ما إن أعلن عن مرور المترشّحين قيس سعيد ونبيل القروي الى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، حتى دبّت الصدمة وربما الفجيعة لدى عديد الأوساط السياسية بشقّيها الإسلامي والليبرالي العلماني. هذان المترشحان تحديدا كانا الحصان الاسود للسباق الانتخابي رغم نتائج سبر الآراء التي نبّهت مبكّرا الى صعودهما الصاروخي لدى الشارع التونسي، لكن الاوساط السياسية وخاصة الحاكمة منها تجاهلت هذه الحقائق. وبالعودة الى هذين المترشحين ووضعهما تحت دائرة الضّوء، نجد أن ما جنياه هو نتاج فشل الاطراف الاخرى اساسا اكثر مما تحتويه برامجهما الضبابية أحيانا والاستغلالية أحيانا أخرى. فمثلا المترشح نبيل القروي ونجاحه في العبور الى الدور الثاني، ليس بالشيء المستعصي فهمه بالنظر الى شيئين اساسيين وهما المساعدات الانسانية التي غزا بها المناطق المنسية أولا وما تقدمه قناته من مادة فنّية الى "العائلة التونسية" ثانيا. أما بالنسبة للمترشح قيس سعيد استاذ القانون الدستوري فإنه بحق ربما من يستحق الدراسة والتحليل والبحث في ثنايا هذا "الفتح البهيج" الذي أحدثه وأحدث به زلزالا هزّ أركان الاوساط السياسية كلها. ويمكن على الاقل بصفة مبدئية ارجاع هذا "الزلزال" السياسي الى 3 عوامل اساسية حسمت الأمر وقلبت موازين القوى وهدمت كيانات واحزاب سياسية وأحالت اصحابها الى التقاعد وأخرى الى النكسة. أول هذه العوامل هو افلاس جميع حكومات وسياسيي ما بعد الثورة وفشلهم في احداث أمل ولو بسيط سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بل زادوا الطين بلّة وأغرقوا البلاد في الديون والفقر والعوز والبطالة. ثانيا وهو الأهم هو صراع العائلة السياسية الوسطية، التي اتسمت بالانتهازية وخاضت صراعا وتناحرا كبيرا و"تصفية حسابات" جعلتها تنهك نفسها وتشتت أنصارها عوض التنازل والالتفاف حول مرشح واحد يدخل المعركة بقوة. أما العامل الثالث وهو نتاج للعاملين السابقين فهو التصويت العقابي ضدّ كل الشخصيات والقوى السياسية او ما يطلق عليها "السيستام"، التي أصبحت منبوذة ومرفوضة من جميع الاوساط العمرية للناخبين وخاصة الشباب. لذلك مثلا وفي حالة قيس سعيد لعب الشباب دورا حاسما في فوزه على اعتبار ان الشريحة العمرية من 18 الى 25 سنة كانت نسبتها 37 % ومن 25 الى 46 سنة 20 % مطيحا بالتالي بجميع خصومه. الآن على بقية المترشحين أخذ العبر وخاصة العائلة السياسية الوسطية التي يبدو أنها خسرت معركة ولم تخسر حربا بما أننا في خضم سباق الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها اكتوبر المقبل. كما أنه لزاما على جميع السياسيين والأحزاب تنقية الاجواء وأخذ قرارات توحّد ولا تفرّق والقيام بخطوات تعيد الأمل والثقة لدى الناخب الذي اصبح عنصرا لا يستهان به في اللعبة السياسية. وربما أول هذه الخطوات هو احترام نتيجة الاقتراع والكف عن التراشق بالتهم واحترام ارادة وخيار الشعب والمضي في فهمه والاستجابة لمتطلباته لردم الهوة التي احدثتها السنين العجاف.