انطلق المنتخب منذ يومين في التحضير لتَصفيات ال"شان". واللاّفت للانتباه أن المدرب الوطني الجديد المنذر كبيّر اختار "إقصاء" الجمهور من التمارين. ويأتي هذا القرار "التَعسّفي" ليفتح ملفا كبيرا وحَارقا والحديث عن العلاقة بين المنتخب وجمهوره "المَحروم" من مُتابعة التدريبات والحَاضر بأعداد مُحتشمة في الرسميات. ويُمكن القول إن شقّا واسعا من الجماهير التونسية أصبح في شبه قطيعة مع المنتخب وهو الجَامع لكلّ فئات الشّعب. الجامعة "تَستجدي" الأحباء في ظلّ العزوف الجماهيري عن حضور مُقابلات المنتخب قرّرت الجامعة السّماح للأحباء بالدخول إلى الملعب بصفة مَجانية في الوديات وحتى أثناء الرسميات. وقد ظهرت الجامعة وكأنها "تستجدي" الأنصار للتحوّل إلى رادس وهو "واجب" على كل محب خاصّة أن الأمر يتعلق بمنتخب البلاد لا بجمعية تُمثّل فئة معيّنة من التونسيين وتعيش في مساحة جغرافية مضبوطة. وقد اعتمدت الجامعة أيضا على سياسة توزيع الدعوات الخاصّة على الأحباب والأصحاب الذين تربطهم بالمنتخب علاقات مَنفعية وظرفية تنتهي بنهاية اللّقاء. وقالت الجامعة إنها تبنّت سياسة الدُخول المَجاني إلى الملعب مُراعاة لظروف الناس الذين قصم الغلاء ظهورهم. لكن هذه "النوايا الحَسنة" لا تحجب أبدا حجم "التقصير" في التعامل مع ملف الجمهور الذي كان من المفروض توطيد علاقته بمنتخبه بطرق أخرى غير سياسة "البُوبلاش" التي تُسيء للفريق الوطني وتجعلنا ننظر إليه على أنه: "ماعندوش قدر" بلهجتنا العامية في حين أنّ المنتخب هو صاحب المَقام العَالي في قلوب كلّ التونسيين. الجالية الكامرونية أكثر من الجمهور التونسي! "القطيعة" بين المنتخب وجمهوره لم تقتصر على فريق الأكابر بل أنها شملت أيضا الشبان وهذا ما وقفنا عليه في اللّقاء الأخير بين الأولمبيين وخصمهم الكامروني. ولن نُبالغ في شيء إذا قُلنا إن عدد الحاضرين يعدّون على أصابع اليد بل أن مدرب المنتخب الأولمبي فريد بن بلقاسم ذهب أبعد من ذلك ليؤكد أن الجالية الكامرونية التي زحفت إلى رادس كانت أكثر عددا من الجماهير التونسية. أسباب مُتعدّدة ما الذي يجعل الجمهور التونسي يُدير وجهه للمنتخب الذي أسعده وأبكاه من أيام "ملحمة" الأرجنتين عام 1978 إلى يوم الناس هذا؟ الحقيقة أن الأسباب كثيرة وفي مقدّمتها السياسات التي تسلكها الجامعة. ولاشك في أن عَزل المنتخب عن أنصاره وتطويقه بالحرّاس الشّخصيين من المظاهر السلبية والتي ساهمت إلى حدّ كبير في "هِجرة" الناس لمنتخبهم لشعورهم الدفين بأنه مفكوك منهم بالقوّة. والحقيقة أن قرار "الويكلو" في التمارين صادر عن الجامعة ويقع نسبه كذبا للمدرب تحت غطاء الحِرص على ضمان التركيز في حين أنه كان بوسع الجهات المُشرفة على المنتخب فتح الأبواب لحضور الجماهير ولوفي حصّة واحدة لإلتقاط الصُور والإحتكاك مع "النجوم" بهدف توطيد العَلاقات بين الفريق وأنصاره خاصّة منهم الأطفال وهم جمهور المُستقبل. وهُناك ثغرات كبيرة أيضا في التنظيم حيث لا وجود لحَملات تحسيسية وسياسات تسويقية فاعلة لاستقطاب الجمهور في المُباريات الرسمية ويُمكن القول إن لجنة التنظيم التي يقودها ابراهيم عبيد خارج نطاق الخِدمة ولا يكاد هذا المسؤول يظهر إلا في المُناسبات وأثناء السّفرات الخارجية التي "يَتقاتل" الجميع على المشاركة فيها بحثا عن "التفرهيد" واكتشافا لثقافات وبلدان أخرى. ولاشك في أن "هجرة" الكثير من الأحباء للمنتخب تعود أيضا إلى الصورة المشوّهة للفريق بفعل قائماته المشبوهة وتقاعص لاعبيه في أداء الواجب فضلا عن فوضى المدربين وغياب "الهُوية" القائمة على الفُرجة والروح الانتصارية. ثقافة كاملة إن عودة الثقة بين المنتخب وجمهوره تحتاج إلى العديد من الاجراءات العاجلة منها رفع "الويكلو" عن التمارين وتسريح الحراس الشخصيين لأن الفريق في حِماية شعبه. ومن المفروض أيضا "تنظيف" محيط الفريق من الدخلاء والوكلاء وضبط قائمات اللاعبين حسب الكفاءات لا الولاءات. ومن الضروري كذلك فرض الانضباط واقناع اللاعبين ب"قَداسة" المنتخب ولابدّ من تغيير العقليات في صفوف الأحباء وحتى الإعلام الرياضي. ولا يخفى على أحد أن التعصّب الأعمى للجمعيات سيطر على فكر الكثير من الأنصار والإعلاميين الرياضيين وقد أضرّت هذه الظاهرة السلبية بمكانة المنتخب. إن علاقة المنتخب بأنصاره "ثقافة" قائمة الذات وتبدأ من الأسرة والمدرسة حيث يترسّخ في أذهان الصّغار بأن الوطن أهمّ من المدينة ومصلحة الجهة أهمّ من مصلحة "الحُومة" والمنتخب أعظم شأنا من الجمعية حتى وإن كانت بحجم الترجي والافريقي والنجم و"السي .آس .آس"...وغيرها من الأندية التونسية التي تعيش كلّها تحت خيمة واحدة ولا ألوان فيها غير الأحمر والأبيض.