تونس (الشروق) أربعة وعشرون مرشحا للانتخابات الرئاسية غادروا السباق في دورته الأولى، أغلبية الأطراف الفاشلة في المرور تعاملت مع واقعها بإيجابية. لكن مرشحي اليسار الكلاسيكي واصلوا سيرهم نحو الهاوية بردة فعلهم السلبية، وقبولهم غير المبرر بفشلهم. حمة الهمامي، ومنجي الرحوي، وعبيد البريكي، الثلاثي شارك في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. والأفضل نتيجة وهو منجي الرحوي خرج من المنافسة بيدين خاويتين (صفر فاصل) مقارنة بنبيل القروي وقيس سعيّد اللذين مرا إلى الدورة الثانية، ومقارنة بمرشحي الخصوم التقليديين (مثل عبد الفتاح مورو وعبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد)، وحتى مقارنة باليساريين الآخرين مثل محمد عبو مرشح التيار الديمقراطي وممثل اليسار الديمقراطي الاجتماعي. 0.81 بالمائة فقط من مجموع الأصوات لمرشح حزب الجبهة الشعبية منجي الرحوي، و0.69 لرفيقه اللدود مرشح ائتلاف الجبهة حمة الهمامي و0.17 بالمائة لأمين عام حركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي المحسوب مثل سابقيه على اليسار الكلاسيكي أو الأيديولوجي. نتائج الثلاثي كارثية بالنظر إلى حجمها وإمكانية تأثيرها في الامتحانات الانتخابية القادمة. لكن المصيبة في ردة الفعل: لا داعي الى التغيير يحسب للبريكي أنه سارع بتقديم استقالته من الأمانة العامة فور الإعلان عن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية واطلاعه على محصوله الكارثي. لكن مجلس الأمانة الموسع لحزبه (حركة تونس الى الامام) رفض الاستقالة. إذ يبدو أن ليس من عادة اليسار الكلاسيكي أن يطبق القاعدة الديمقراطية العالمية القاضية باستقالة المسؤول الفاشل من منصبه الحزبي من باب تحمل المسؤولية ومحاولة انقاذ الحزب عبر ضخ دماء جديدة. القاعدة اليسارية التونسية المخالفة للقاعدة العالمية تكرست مع الرحوي والهمامي. فلا أحد منهما قدم استقالته أو عبر عن نيته تقديمها ولو من باب ذر الرماد على العيون. اليوم صفر فاصل في الرئاسية وغدا صفر فاصل في التشريعية وبعدها صفر فاصل في البلدية وبعدها صفر فاصل في رئاسية 2024… لا داعي الى التغيير ولا التقييم ولا المحاسبة ولا محاولة الفوز ولا محاولة الانقاذ… المهم أن يبقى الزعيم وأن يعيد الكرة في الترشح ويرضى بنتائجه المخيبة حتى يرث الله الأرض بانتخاباتها وأحزابها وزعمائها. الإصرار على الفشل في حركة النهضة (الخصم التقليدي لليسار) حاول البعض الإيهام بنجاح مورو رغم فشله. وعندما فشلت المحاولة تم الإقرار بالهزيمة ومحاولة تبريرها واستخلاص العبر منها علنيا. وداخل العائلة الديمقراطية حاول الشاهد استمالة بعض المقربين لتجاوز خلافات الماضي وانقاذ العائلة الديمقراطية (الوسطية). ومهما كانت النتيجة فإن هناك نوعا من التقييم السريع واستخلاص العبر والعمل على تفادي الأخطاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه… هذا ما لاحظناه لدى العديد ممن فشلوا في المرور إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عكس ما هو سائد لدى اليسار الكلاسيكي. الدليل نجده مثلا عند حمة الهمامي الذي أعلن في بيانه الذي أصدره يوم 17 سبتمبر الجاري أنه سيكون هناك «لاحقا الوقت للتقييم والنقد والتغيير بما يخدم مشروع(ه)»، قبل أن يضيف أنه لن يتخلى عنه «مهما كانت الضغوط والإكراهات»، أي حتى لو حصل على نسبة الصفر دون الفاصل. حتى تكون يساريا عليك ألا تأبه بالنتائج الفاشلة، وأن ترفض التغيير والتأقلم، وأن تحوّل الخلاف العابر إلى عداء أزلي، وأن تصر على الخطإ. والأهم أن تدق نفسك إلى منصبك بالمسامير حتى إذا كنت متأكدا من أنك بصدد دق المسامير في نعش حزبك بصفة خاصة واليسار بصفة أشمل. رأي خبير رأى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في قراءته لنتائج الدورة الأولى من الانتخابات أن اليسار التونسي عاش تجربة الرجل في الأسطورة اليونانية التي تتحدث عن ذلك الرجل الذي يحاول أن يصعد الجبل وفي كل مرة ينزلق وينزل إلى سفح الجبل. ثم يعيد الكرة من جديد. وأشار الجورشي في تصريح إعلامي إلى أن «اليسار قد خرج من اللعبة السياسية في انتظار أن تحصل متغيرات أخرى لتعيده إلى المشهد من جديد»، معتبرا أن «اليسار لن يكون له أي دور في الانتخابات التشريعية المقبلة».