برز الاسابيع الأخيرة وبالتزامن مع الهدوء الهش في معركة طرابلس، أمل في الأفق لوضع حد للنزيف الليبي، تبلورت معالمه أساسا داخليا وإقليميا ودوليا، بما أن الجميع وصل لقناعة راسخة مفادها ان الحلّ الوحيد هو الحوار. الشيء الذي برز مؤخرا وبعد انقشاع غبار المواجهات العسكرية الدامية، أن فوهة البنادق لا تصلح لبناء وطن أو دحر الخصوم، بل هي أمر عبثي حصاده الوحيد هو الارواح والخسائر الفادحة ومزيد من الشقاق. وكان لابد على جميع الاطراف المتناحرة منذ البداية معرفة حقيقة أساسية وهي ان هذه الحرب لا ناقة فيها ولا جمل لليبيا الحقيقية، ليبيا الشعب الطيب الذي يطمح لبناء مستقبل زاهر بثرواته الكبيرة. غير أن الأمر كان عكس ذلك وذبح وشرّد الشعب الليبي منذ 2011 بسبب هذه الثروات التي اصبحت نقمة ومجلبة للموت والدمار وصراع الوحوش، وخلفت وراءها جرحا لن يندمل بسهولة. الآن عبثية هذه الحرب أعادت قليلا الدّم للرؤوس الناشفة الداخلية منها والاقليمية والدولية، ولاح في الأفق أمل بالعودة الى طاولة الحوار، بدأه أرباب الحرب وتبناه المجتمع الدولي الذي ضاق ذرعا من هذه الأزمة. أما على المستوى الداخلي فليس لدى الطرفين المتحاربين فرصة لتحقيق نصر حاسم وتطوّر الوضع، لا يعتمد على توازن القوى داخل البلاد، بمقدار ما يرجع إلى مصالح الجهات الدولية المتورطة في الشؤون الليبية. لذلك لانت المواقف وفي خطوة اولى أقر المشير خليفة حفتر بضرورة الحوار رغم تعنّت الميليشيات في طرابلس، قابله موقف رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الذي يبدو أنه بات أكثر من أي وقت مضى مستعدا للحوار. كان واضحا منذ البداية أن التدخل الاجنبي الذي بدأ من الاطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي وتواصل الى الآن عبر دعم الطرفين المتخاصمين، هو سبب الدمار وبالتالي فإن رفع هذا التدخل سينهي هذه الحرب القذرة. وبما أن أكبر الأطراف الدولية المتصارعة والمغذّية لهذا النزاع هما فرنسا وايطاليا، فإن جلوسهما على طاولة الحوار مؤخرا سيمهّد لجلوس طرفي النزاع في الداخل بدورهم الى الحوار الذي بدا أنه المخرج الوحيد للجميع. وعلى منوال فرنسا وايطاليا، أيقنت كل الاطراف الأخرى ان ليبيا وأزمتها اصبحت صداع في الرأس خاصة دول جوار ليبيا وشمال المتوسّط، فالطرف الاول استقراره الامني والاقتصادي مرتبط باستقرار ليبيا والطرف الثاني استقراره مرتبط بإيقاف موجات الهجرة التي أغرقته. وفي هذا المضمار تحديدا شهدت الايام الأخيرة حراكا دوليا مكثفا لحلحلة هذه الأزمة كان آخرها تأكيد الاتحاد الإفريقي حرصه على انخراطه بشكل أكبر في البحث عن حل للنزاع الليبي، وخاصة في ضوء تعيين مبعوث مشترك له وللأمم المتحدة إلى ليبيا. ويبدو أن جميع الاطراف باتت ملزمة وجادة في إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي طال عمرها وأصبح تحقيق السلام والهدوء الى ليبيا هو انتصار للجميع بعيدا عن المصالح الضيّقة ومنطق الاستعمار. الآن الأنظار كلّها متّجهة الى برلين حيث ستعقد الاسابيع المقبلة قمة دولية همّها الاساسي الملف الليبي وكيفية ايجاد التوليفة التي تتيح بدء عملية سياسية بناءة يمكن فيها لكل الليبيين تجاوز خلافاتهم وبناء بلدهم من جديد تحت مسار ديمقراطي حقيقي.