من تثمين منجز التوافق مع ما يوصف بالمنظومة القديمة والحديث عن أهمية الشراكة المستقبلية الى الحديث عن معاقبة الصندوق للاستئصاليين من اليساريين والتجمعيين، تغيير خطاب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وغالبية قياداتها، بشكل لافت، فماذا وراء هذا التغيير الفجئي؟ تونس-الشروق: ومنذ اتفاق باريس الشهير الموصوف بلقاء الشيخين بين راشد الغنوشي والراحل الباجي قائد السبسي، رافق خطاب حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي حديثا باطناب على اهمية التوافق والمصالحة الوطنية والشراكة المستقبلية مع مكونات النظام القديم تحت مسمى تونس لكل التونسيين. واثر صدور نتائج انتخابات الدور الاول للانتخابات الرئاسية لاحظت جهات عدة خطابا ذا طرح مناقض تحدث فيه رئيس الحركة عن معاقبة صندوق الاقتراع لمن سماهم باليساريين والتجمعيين الاستئصاليين وانتصار التصويت الى الثورة وقيمها لافتا في تصريحه الاخير النظرالى ان النهضة لا تتحمل مسؤولية الحكم التي يتحمل وزرها حزب نداء تونس، فماهي دوافع تغيير خطاب حركة النهضة ؟ تفسير حركة النهضة من جهته يرى النائب في حركة النهضة العجمي الوريمي في مجمل تصريحه ل››الشروق» أن حركة النهضة اعدت برنامجها الانتخابي سلفا وان خطابها يعبر عن هذا البرنامج وينتمي الى السياق الذي تعيشه البلاد. حيث ان حركة النهضة تتوجه بالخطاب الى انصارها والمتعاطفين معها وعموم التونسيين قصد اقناعهم بانه من الطبيعي ان يكون هذا الخطاب في مستوى انتظاراتهم من حيث الاولويات الاجتماعية ومن حيث التموقع السياسي للحركة التي تتبنى في تقديره اهداف الثورة. وتابع الوريمي بالقول:›› وماالعيب في خطاب النهضة اذا ماكانت الاحزاب الجامدة والتي تعيش ازمة تواصل وحدها من تتوارث خطبها، فاذا ما لاحظ البعض في خطاب النهضة استمالة لطيف او استرضاء فئات غاضبة او جمهور متنازع عليه ومحل استقطاب من جهات أخرى فإن التنافس الانتخابي لا يمنع ذلك›› وشدد الوريمي على ان النهضة توافقت مع نداء تونس لتشكيل الحكومة في منظومة 2014 غير ان الصراعات الداخلية داخل النداء ادت الى اضعافه واضعاف الحكومة. ومن هذا المنطلق لا تتحمل النهضة المسؤولية قائلا إنه لا يمكن الحديث حاليا عن التزام بتحالفات المستقبل وتوافقاتها الا بعد معرفة نتائج الانتخابات القادمة وان خطاب النهضة في تقديره مرتبط بالمتغيرات السياسية ومايعبر عنه التونسيون وليس جامدا. محاولة استمالة الغاضبين هذا الطرح يرى القيادي في نداء تونس المنجي الحرباوي خلافه، واعتبر في تصريح ل»الشروق» أن دوافعه حالة العزلة التي تعيشها النهضة الباحثة عن حصن جديد خاصة بعد تراجع خزانها الانتخابي وتأكدها من ذلك بعد خسارة مرشحها عبد الفتاح مورو في الدور الاول للانتخابات الرئاسية. وشدّد الحرباوي على أن النهضة تمتاز بصفات الخطاب الازدواجي وابراز الخطاب الظاهر واخفاء الخطاب الباطن الى حين تحيينها الفرصة لذلك مضيفا أن تواجدها في السنوات الأخيرة داخل الدولة وقربها من العائلة الوسطية كان تكتيكيا، غير أن ما تشهده من تراجع دفعها الى محاولات أخيرة للملمة قواعدها الغاضبة واحتوائها عبر خطب التجييش والتحريض والتضاد بين من مع الاسلام ومن ضده ومن مع الثورة ومن ضدها أملا في استعادة الخزان الانتخابي المنفلت منها والذي خسرته نتيجه دفعها الى خيارات مدنية وتركها المراوحة بين السياسي والديني ضمن امتدادها العقائدي الذي ضمن لها التواجد الى فترة ما. نتائج عكسية ومن جهته يرى الأمين العام للحزب الاشتراكي شكري بن عبدة في تصريحه ل››الشروق›› أن تغيير خطاب الغنوشي من المرجح ان تكون له نتائج عكسية في التصويت لحركة النهضة خاصة العودة الى المربع الاول بعد قطع اشواط في اتجاه المدنية. واضاف شكري بن عبدة ان الخطاب الاخير لحركة النهضة يكتسي خطورة لا على العائلة التجمعية والدستورية فحسب. بل يطال ايضا المنظومة السياسية لما بعد سنة 2011، لافتا في هذا السياق النظرالى ان حق الاختلاف مكفول. لكن من الخطورة بمقدار ان يعود الخطاب الى التقسيم بين من مع الثورة ومن ضدها وان تعود تونس الى اصطفافات على قضايا مفتعلة لا تزيد البلاد سوى ارهاق. وخلص المتحدث الى أن الغنوشي من المرجح ان يكون في خطابه الاخير قد تحدث بتلك الطريقة بدافع استمالة قواعده الغاضبة والبحث عن تموقع جديد في المشهد السياسي غير انه مطالب في كل الاحوال بتجنب مثل هذه التصريحات التي يراها يمكن ان تشجع على العنف والحقد والتقسيم والتي تعبر عن عدم فهم الدرس من التصويت الأخير. فريد العليبي (محلل سياسي) لهذا استبدل الغنوشي خطاب التوافق بخطاب الثورة ليست هذه المرة الأولى التي يغير فيها رئيس الحركة مواقفه. فقد اعتاد على ذلك منذ وقت طويل ويتذكر التونسيون قوله بخصوص زين العابدين بن علي ثقتي في الله وفي السيد الرئيس ثم انقلابه عليه. بل ان حركته أصبحت تسميه زين العابثين ويتعلق الامر بخطاب خاضع لتقلبات الأوضاع السياسية. حيث تتم صياغة مفرداته بحسب ما تفرضه التكتيكات السياسية من جهة واستراتيجية التمكين طويلة الأمد من جهة ثانية. وقد فهم الغنوشي على ضوء نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية أن خزان الحركة الانتخابي على وشك النضوب وأن الهزيمة التي تعرض اليها مرشحها للرئاسيات عبد الفتاح مورو يمكن أن تشمله هو أيضا خلال الانتخابات التشريعية ومن هنا استبدل خطاب التوافق بخطاب الثورة.