سيموت حمة الهمامي (بعد عمر طويل) وفي نفسه شيء من «لا». فللسيد «لا» علاقة وثيقة جدا بجميع أنواع اللاءات من النافية إلى الناهية حتى يخيل إلي أنه لم يقل قط «نعم» أو «أجل» أو «بلى». آخر لاءات السيد «لا» تتعلق بدعوة أنصار حزبه (حزب العمال) ومناضلي شقه في ما تبقى من الجبهة الشعبية (ائتلاف الجبهة) إلى مقاطعة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. «لا» للتصويت للقروي، «لا» للتصويت لسعيد... للسيد «لا» مبرراته وهي «عدم تقديم المترشحين لمشروع يوفر الحد الأدنى من الضمانات لحماية السيادة الوطنية وتحقيق مطالب وانتظارات الشعب التونسي» حسب ما جاء في البيان الذي أصدره حزب العمال مؤخرا. هذا يعني أن حمة وحزبه أكثر خوفا على السيادة الوطنية، وأكثر حرصا على تحقيق مطالب الشعب التونسي وانتظاراته، وأكثر فهما واستشرافا من الأحزاب التي اختارت صف القروي مثل حزب العمل، أو صف منافسه سعيد مثل النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي… هناك أحزاب كثيرة اختارت الحياد عبر دعوة أنصارها إلى حرية اتخاذ القرار مثل تحيا تونس وحركة مشروع تونس...، لكن لا يمكن للسيد «لا» أن يقتدي بها لأنه قد يقطع مع سيره الثابت للمبدأ ويفوت على نفسه فرصة أخرى في قول كلمة «لا». للأمانة هناك من تتلمذ على حمة فأخذ عنه العلم وزاد فيه. سأستدل على هذا بقريبه ورفيقه في البأساء والضراء وحين البأس الجيلاني الهمامي الذي رفع مؤخرا عبر الفيس بوك لاءات نفي ثلاثة: الأولى أنه «لا يعترف بنتائج الانتخابات»، والثانية أنه «لا يعترف بالبرلمان الجديد»، أما الثالثة فهي أنه «لا يخجل في الدعوة إلى إسقاط البرلمان». طوبى لحمة الهمامي وأنصاره ومريديه بهذا الولاء لعبارة «لا»، فهي بشهادة جدودنا لا تجلب البلاء والدليل أن حمة وحزب العمال والجبهة الشعبية ومن بعدها ائتلاف الجبهة من حسن إلى أحسن بمنافسة شرسة على الرئاسية وتمثيلية رائعة في البرلمان وتوثب لتجربة الحكم وتقديم البديل الناجح للمنظومة التي يصفونها ب»الفاسدة» والمنوال التنموي الذي ينعتونه ب»الفاشل». قد يسألني البعض عما «حرق شعيري» في بيت يرضى ساكنوه بكل ركن فيه وبكل قطعة ديكور لم تتزحزح منذ ثمانينات القرن الماضي وبكل فكرة نسج العنكبوت خيوطه على غبارها فأجيب بأن الفكر اليساري سواء مال إلى الوسطية أو الراديكالية ملك مشاع وأن الواحد منا يولد على اليسار حتى يتيمن أو يتوسط أو يعود إلى جذوره، وأن اليسار في أصله حلم أكثر منه فكر، وأن البرلمان لا يحلو ولا يستقيم ولا ينجو من العرج إلا اتخذ اليساريون مكانهم الطبيعي في ضفته اليسرى. من المخطئ فينا؟ هل هو الباحث عن مصلحة الوطن من وراء مصلحة اليساريين أم من يتخذ لنفسه معبدا مدنسا ينحر فيه الفكر اليساري الرائع قربانا لزعامات شخصية واهية. من منا على الحق من يدعو إلى نفع البلاد باليسار؟، أم من يتخذ اليسار معولا للتهديم. كم أتمنى أن أمسك برأس حمة لأجتث منها منبع ال»لا» لما فيه مصلحته ومصلحة حزبه ومصلحة وطنه ومصلحة اليسار كله.