تونس (الشروق) أشار الرئيس المنتخب قيس سعيد إلى ضرورة تجديد المشروع الثقافي التونسي كما أقترح تدريس الفلسفة في المرحلة الأبتدائية ورغم طوباوية هذا التصور وتعارضه مع المبادىء البيداغوجية العامة تبقى الإشارة إليه عنصرا إيجابيا أثبتت السنوات الأخيرة بعد سقوط النظام السابق خاصة في 2011 أن هناك «مشكلا ما» في التركيبة النفسية والذهنية للشعب التونسي وخاصة للشباب ففي الوقت الذي كانت الصورة المتداولة عن التونسيين هي التفتح والأعتدال أكتشفنا أن هناك عقلية داعشية في المجتمع من خلال العدد الكبير والأستثنائي للشبان الذين سافروا إلى مناطق التوتر وحملوا السلاح وتورطوا في عمليات قتل وأغتصاب وذبح وتنكيل بالجثث في سوريا والعراق وليبيا وقد أثبتت تقارير المنظمات الدولية أن الإرهابيين القادمين من تونس هم أكثر الأرهابيين عنفا وتشددا ودموية ! التصحر الثقافي التساهل الأمني الذي تعاملت به حركة النهضة في حكمها في 2012و2013 مع ملف التسفير وتهريب السلاح ونشر الفكر المتشدد من خلال ما عرف بالخيام الدعوية والأعتداء على الحريات لا يفسر وحده أنتشار ثقافة داعش والتطرف في الوسط الشبابي خاصة فهذه الظاهرة ليست وليدة عام أو عامين من حكم الترويكا بل نتيجة منظومة تربوية وثقافية أنطلقت منذ الثمانينات كانت نتيجتها هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع التونسي المعروف بالأعتدال والوسطية. فمشروع بورقيبة الزعيم الراحل في بناء الدولة وتطوير المجتمع وتحديثه بني أساسا على الثقافة من خلال مجموعة من الأجراءات والقرارات المرجعية منها الدعم الثقافي في المسرح والسينما والفن التشكيلي والكتاب كما كان المسرح المدرسي والجامعي وجمعيات المسرح هي الرافد الأساسي للمسرح التونسي وكانت تونس أول دولة عربية تقتني إقامتين في حي الفنون بباريس رغم إمكانياتها المتواضعة أول الأستقلال وكانت المؤسسات العمومية والوزارات وحتى البنوك وشركات التأمين مطالبة كل عام بتشجيع الفنانين التشكيليين والمساهمة ب1 في المائة من مرابيحها من أجل الأستثمار الثقافي. تجديد المشروع الثقافي رغم أن الثقافة ليست من مشمولات الرئيس ولا من صلاحياته إلا أنه يستطيع ا ن يقدم مبادرات تشريعية مثل تحيين مساهمة الشركات الخاصة والمؤسسات العمومية في تمويل الثقافة والمشاريع الثقافية ودعم المبدعين فهناك قانون صادر في عهد بن علي يمتع المؤسسات العمومية والشركات الخاصة بالإعفاء الضريبي في حالة دعم المشاريع الثقافية لكن هذا القانون لم يتم تحيينه. فالمطلوب اليوم تجديد المشروع الثقافي الوطني فهل يكون قيس سعيد القادم من محراب الجامعة والحقوق والأكاديمية قادرا على احياء هذا المشروع حتى تشفى تونس؟ فلا أمل لتونس في الخروج من مستنقع التطرف دون إعادة الاعتبار للمشروع الثقافي وهذا هو الرهان الذي يفترض أن تخوضه تونس .