لو كان للمنابر الإعلامية تأثير في تونس لغيرت نتائج الانتخابات، ولجعلت نبيل القروي في المقدمة وهو الذي يملك قناة تلفزية، ولدمرت حظوظ سعيد وأحلامه وهو الذي خير مقاطعة الإعلام الوطني في حملته الوطنية... المنابر الإعلامية أفلست أو تكاد فما السبب؟. تونس الشروق: «أصادف مواضيع لا أفهمها فأبحث عن مواقف بوغلاب والعماري والقصوري وأختار الموقف المعاكس»، ما قاله أحد المتحاملين على بعض الإعلاميين يعبر عن موقف فئة من التونسيين تجاه جزء من المشهد الإعلامي التونسي وقد لا يعبر عن رأي التونسيين كلهم ولكن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن المنابر الحوارية التونسية لم تعد تؤثر وأنها أفلست أو تكاد مقارنة بمثيلتها في العالم. هناك حقائق ملموسة، فمنابر قناة نسمة مثلا عجزت عن تغليب كفة القروي في تنافسه مع سعيد على الرئاسية، ومنابر الحوار التونسي لم تجلب لها غير الشتائم والسخرية والتهديدات بالاعتداء، ومتابعو منابر القنوات الأخرى وإن اجتمعوا قد لا يفوقون في العدد من يتابعون مقابلة متوسطة في كرة القدم أو مسلسلا أجنبيا بدبلجة تونسية ركيكة. اليوم لا قدرة للمنبر الإعلامي على شد الانتباه ولا التأثير في المتابعين ولا توجيههم ولا صناعة الرأي فما سبب هذا الإفلاس؟. إعلام بديل عندما أسقطت الولاياتالمتحدة نظام الحكم في العراق سنة 2013 احتاجت إلى الدعاية الإعلامية فأطلقت في السنة الموالية قناة الحرة التي لعبت دورا فعالا في تحويل الخطاب السائد لدى الدول العربية من معاد للولايات المتحدة إلى مؤيد لها أو على الأقل قابل بها. هذا الحل لم يعد ممكنا اليوم في العالم العربي ولا في تونس لأن الإعلام المرئي التقليدي (التلفزي تحديدا) تراجع لفائدة الإعلام الالكتروني وخاصة منه إعلام المواقع الاجتماعية. في تونس يكفي أن تمتلك أو تستقطب عددا قليلا من صفحات الفايس بوك حتى تؤثر في النسبة الأعظم من التونسيين وأن تؤلب الرأي العام ضد من تريد حتى إذا كان الإعلام التقليدي ومنتسبيه. الدليل أن أغلبية التونسيين باتت تعادي خطاب القنوات التلفزية ومنابرها رغم أن بعض تلك الأغلبية لا تتابع هذا الخطاب ولكن لماذا تأثرت المنابر الإعلامية في تونس ولم تتأثر في العديد من دول العالم. دقة في الاختيار نجحت العديد من المنابر الإعلامية العالمية في الحفاظ على مكانتها لأسباب عديدة أولها أنها حمت جيدا مصداقيتها، وثانيها أنها حددت بدقة خطها التحريري، وثالثها أنها تختار بدقة فريق عملها فتتعاقد مع الإعلاميين المشهود لهم بالكفاءة وتستعين بالمشاهير المحبوبين والقادرين على التأثير في المتابعين وإقناعهم بالأفكار المراد تبليغها. الأهم من هذا كله أن المنابر الإعلامية الأجنبية - كتلك التي نتابعها في فرنسا - لا ترهق المشاهدين بوجوه قارة ومستهلكة ومنبوذة تفتي في السياسة مثلما تفتي في الثقافة والفن والرياضة والإعلام والأمن القومي والسياسة الخارجية والقانون الدستوري والعلوم الاجتماعية… بل تجعل لكل مجال خبيره أو خبراءه الذين يقنعون المتابع بدقة معلوماتهم ووفرتها وقدرتهم على تحليلها والاستشراف منها مما يوفر الظروف الملائمة للتأثير في المتلقين وتوجيههم وصناعة الرأي المنشود. أما في تونس فهناك أساليب ملتوية لأهداف محددة. ذلك أن الهدف الأسمى لدى أغلب القنوات التلفزية الخاصة هو الربح ومضاعفة عدد المشاهدين لمضاعفة الإعلانات الإشهارية. التركيز على الإثارة حتى تحقق هذا الهدف، تلوذ الأغلبية الساحقة بعنصر الإثارة فتختار بدقة البرامج وفق درجة إثارتها وتتناول فيها المواضيع المثيرة للجدل والحساسة والممنوعة في وسائل الإعلام الرسمية، وتحاول إكمال سلسلة الإثارة بالتعويل على المنشطين والضيوف والمحللين والخبراء المثيرين للجدل والقادرين على إثارة مشاعر المتابعين بالصياح والتهريج والسب والاتهامات الباطلة. يمكن لهذه الحلقة أن تساهم في اكتمال السلسلة بنجاح فترتفع نسبة المشاهدة وما ينجر عنها من طفرة في المرابيح لكن الصدمة تحصل عندما تحاول القناة التلفزية استعمل هذه السلسلة المثيرة في تحقيق هدف مغاير من حيث الجدية مثل التأثير وصناعة صناعة الرأي. يمكن لقناة نسمة أن تستميل الآلاف وحتى الملايين من المواطنين لمشاهدة مسلسل تركي تافه لكنها لا تقدر على جرهم إلى رأي معين يعاكس الرأي السائد في الفيس بوك، ويمكن لقناة الحوار أن تستغل بوغلاب في استقطاب كم هائل من مؤيديه وخاصة كارهيه فتحقق أرباحا خيالية لكنها لن تقوى على فرض موقف ولا صناعة رأي… الخطير بالنسبة إليها أن تتجاوز الخطوط الحمراء فتؤلب الرأي العام ضدها وتدفعهم إلى التوافق حول مقاطعتها وحتى الإعتداء عليها وعلى منتسبيها.