إذا كانت المزادات العادية تنتهي باستقرار السعر على أحد المشتركين ورفع البضاعة، فإن مزاد تشكيل الحكومة يبدو بلا نهاية.. فبمجرد انتهاء الانتخابات التشريعية ومعرفة الجهة التي ستكلف بتشكيل الحكومة.. وبمجرد انطلاق مشاورات جانبية وتحضيرية لاستمزاج الكتل والحلفاء المحتملين لتأمين تشكيل الحكومة وصمودها في وجه الرياح والأنواء القادمة، انطلق مزاد حوّل مشاورات تشكيل الحكومة إلى مسألة عبثية وإلى مسلسل لا نهاية له بالنظر إلى اختلاف الرؤى وتناقض المصالح والحسابات. لنقل منذ البداية أن رهان تشكيل حكومة وفقا للنتائج التي أفرزها الصندوق هو رهان صعب.. لأن النتائج لم تُفرز أغلبية مريحة وفرّقت المقاعد النيابية بين العائلات والقبائل السياسية.. ولنقل كذلك بأن محاولات التأليف حتى بين العائلات السياسية المتقاربة فكرا وقناعات ومرجعيات تبقى محاولات صعبة إن لم نقل مستحيلة بالنظر إلى أن تشتت المقاعد وتشظي الكتل وتعدّدها يعطي كل خلية وزنا غير عادي ما يشجعها على تصعيد سقف طلباتها وانتظاراتها من الحكومة الجديدة.. ولنقل كذلك أن الفترة الحالية والسنوات القادمة هي مرحلة اقتصادية اجتماعية بالأساس وبأنها تحتاج حكومة تحوز على أغلبية مطلقة عساها تتمكن من شق الطريق الصعبة والعبور بالبلاد إلى شاطئ الأمان. وهذه مسألة تقرأها الأحزاب والكتل البرلمانية جيّدا وهو ما يدفعها إلى البحث عن أعلى قدر من الأوراق والضمانات حتى لا تكون شريكة في تحمل أوزار فشل تتكدس نُذُرهُ ومؤشراته لأسباب موضوعية تراكمت على مدى 8 سنوات ويستوجب التغلب عليها الائتلاف حول برنامج حكومي ثوري ومبتكر يوظف كل الجهود والطاقات من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.. وهو ما لا يتوفر ولو في حدوده الدنيا في ظل مشهد يسوده انعدام الثقة والسعي المحموم وراء المحاصصة لتحصيل المكاسب أو انتظار لحظة فشل المنافس لتسجيل نقاط على حسابه.. ولا يهم إن كانت كذلك على حساب الوطن. وهنا نصل إل موطن الداء ممثلا في وباء المحاصصة الحزبية الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة، وباء تدحرج معه الوطن ومشاكل الوطن والناس إلى مراتب متأخرة لتتقدم إلى الصدارة مصالح الأحزاب وحسابات الأحزاب وحروب المواقع والمنافع التي تخوضها باندفاع كبير وباستماتة أكبر. لذلك يبدو مزاد تشكيل الحكومة مسألة عبثية بلا نهاية قد تفضي إما إلى تشكيل حكومة ضعيفة لا تموت ولا تحيى ولن تقدر على مواجهة جبال المشاكل والتحديات.. واما إلى إعادة الانتخابات برمتها بما سوف يستهلكه الأمر من وقت وبما قد يفتح عليه من احتمالات استنساخ النتائج الحالية أو المجيء بنتائج أسوأ تزيد في صعوبة تشكيل الحكومة.. لماذا لا يتوقف المنخرطون في المزاد أمام مرآة الوطن ليروا ما تحتاجه تونس وليس ما تريده أحزابهم وقبائلهم السياسية؟ ولماذا لا يتجرد هؤلاء من الأنا المتضخمة بأوهام العظمة عساهم يتواضعون لتونس ولشعب تونس وعساهم يعكفون على تحديد ملامح مشروع إنقاذ وطني ويأتلفون في جبهة وطنية صمّاء لأجل تنفيذه وانقاذ تونس من حافة الهاوية.. قبل أن يباغتهم السقوط المدوّي الذي لن يبقي ولن يذر لهم شيئا يختلفون أو يزايدون عليه.