إنّ ملف السلاح النووي قد تحول إلى موضوع للضغط الدولي الذي يقوى ويفتر حسب مصالح الدول الضاغطة، ممّا يعني أن فكرة الحظر الشامل للتجارب النووية نفسها غير صادقة. كما نلاحظ وجود حالة من اللهث المحموم وراء مصادر القوة الفتاكة بالإنسان والطبيعة في الزمن الراهن الذي يدعي اهتماما مخصوصا بحقوق الإنسان ومظاهر عودة لاستهلاك ما هو طبيعي للمحافظة على الصحة وسلامة النوع البشري. لقد أصبح واضحا أنه عندما دخلت الإنسانية مرحلة السلاح النّووي تغير كل شيء وتمّ الدوس على تلك الدوافع الأولى وراء الانخراط في علم الأسلحة وفنونها. فقد السلاح شرعيته المتمثلة في تحقيق الأمن والدفاع عن النفس بمجرد الدخول في الزمن النووي لأن النووي هو هتك مروع وهائل للأمن العالمي وجعل مفاهيم الحماية والدفاع عن النفس واكتساب القوة، تنحرف إلى طريق تفتك بالإنسان نفسه وبالطبيعة وبالبيئة وتقتل الحياة بدل أن تدافع عنها. طبعا لطرح موضوع السلاح النووي لا نحتاج إلى مناسبة بعينها أو إلى تاريخ دون سواه باعتبار أنه من شواغل الساعة. وكما هو معلوم، فإن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي صدرت في 1996 لم تدخل حيز التنفيذ بعد، إذ أن تسع دول من الدول ال 44 التي تشملها هذه الاتفاقية، لم توقع عليها إلى حد الآن وهي الصين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ومصر والهند وإندونيسيا وإيران وإسرائيل وباكستان والولاياتالمتحدة. إذن اتفاقية الحظر موجودة ولكنها غير موجودة لأنها ليست حيز التنفيذ. وأمام هذا الوضع المعقد دوليا فإن الأممالمتحدة أطلقت منذ ديسمبر 2009 ما أسمته اليوم الدولي لمكافحة التجارب النووية الذي يصادف يوم 29 أوت من كل عام. وتقوم هذه المناسبة الدولية على فكرة منطقية تتمثل في النضال من أجل إعاقة تطوير الأسلحة النووية لأن مواصلة التجارب وتراكمها يعني مزيد تطوير السلاح النووي ومزيد إلحاق الهلاك والأذى بالإنسان والبيئة والطبيعة. لا يمكن إغفال حقيقة أن ما أظهرته الدراسات العلمية من مخاطر استعمال السلاح النووي وأيضا التغييرات التي عرفتها الطبيعة بسبب التجارب النووية قد أنتجت وعيا ومواقف أخلاقية من لدن دول عدة قامت بالتوقيع على هذه المعاهدة خصوصا أن المعاهد العلمية والمجتمع المدني في هذه الدول أدت دورا مهما في هذا المجال. غير أنه في المقابل فإنه هناك تقاعس من الدول الكبرى في إدارة ملف السلاح النووي وهو تقاعس تسعى من خلاله إلى توظيفه لمصلحتها والحال أن مشكلة النووي ذاتها هي مسؤولية هذه الدول الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بالذات. وذلك لأن تاريخ التجارب النووية يعود إلى عام 1945 عندما قامت الولاياتالمتحدة بتفجير قنبلتها الذرية الأولى في صحراء ألاموغوردو بنيومكسيكو. كما أنه من ذلك التاريخ إلى حدود تاريخ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أجريت قرابة 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم وأكثر من نصف هذه التجارب قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم الاتحاد السوفياتي سابقا (700تجربة) وتليها فرنسا (210) وفي أسفل القائمة المملكة المتحدةوالصين حيث أجرت كل واحدة 45 تجربة نووية. وإذا تعمقنا جيدا في مخاطر هذا الملف فإن كل الجهود المبذولة سنلحظ أنها متواضعة جدا وأقل جدية من جدية الخطر النووي على البيئة والطبيعة وكوكب الأرض بشكل عام وموجوداته أي أننا أمام مسألة الحياة ونوعيتها والتغييرات السلبية، التي مست الطبيعة وجعلت الإنسانية اليوم تعاني من أمراض عويصة ومن تغييرات مناخية مجهولة المآل المخيف.