مروى ع تبلغ من العمر 17 عاما من وسط عائلي فقير اعتادت الهروب من المنزل أو من جحيم العنف الذي كانت تتعرض اليه من قبل زوج والدتها الذي لا يجيد سوى منطق الضرب والشتم والتلفظ بألفاظ سوقية خادشة للحياء مسّت حتى من شرفها. مكتب القيروان (الشروق) مروى ليست الحالة الوحيدة التي دفعتها الظروف الى جحيم العائلة الذي كانت تمجّه وتمقته مخيّرة النوم في الشارع ومضايقات المنحرفين وفي أحسن الأحوال اللجوء الى من تعرفهم ومن لا تعرفهم لقضاء ليلة أو اثنين تنتهي بتسريحها بتعلة الخوف من التستر على قاصر فارّة من أهلها. فالإحصائيات التي أمدّنا بها السيد المندوب الجهوي للطفولة بالقيروان صبري بحيبح تفيد أنه تمّ تسجيل 13 حالة فرار من البيت العائلي سنة 2019 فيهم 5 ذكور و8 اناث وذلك وفق حالات إشعار واردة عن مراكز الامن بالجهة بصفة رسمية وتعهّد بها القضاء. حالات يتم العثور عليها في فترات متفاوتة أقصاها ( 6 أشهر) وعادة ما تكون وجهة الهاربين هي المدن الساحلية بنسبة 100 بالمائة وتونس كوجهتهم الثانية بنسبة أقل منها, والحالات وصفها مندوب حماية الطفولة بحيبح بالخطيرة لأنه رقم مرشّح للارتفاع ولا يقلّ أهمية عن عدد حالات الانتحار. الخوف أو الفضيحة وعلى الرغم من ان الاحصائيات المذكورة والتي تعتبر رسمية الا انها لا تعكس الواقع بصفة مطلقة كون العشرات من الحالات لا يقع الاشعار عنها من قبل الأهل الا بعد أيام معدودة. فالسيدة زينة ج التي تحدثنا اليها أيضا أعربت عن معاناتها المضاعفة بسبب ألسنة الناس والمقربين التي لم ترحمها أيام غادرت ابنتها المنزل لأكثر من أسبوع قائلة «كل ما في الامر أنني تفطنت اليها تواعد رجلا يكبرها ب20 سنة، كنت أحسب أنها تباشر الدرس الى ان وجدت بحوزتها أحد الأيام هاتفا جوالا باهظ الثمن ,وكانت نتيجة تعنيفي لها وتمزيق كتبها ووعيدي لها بالانقطاع عن الدراسة هروبها الذي لا يزال كابوسا ولم أقو آنذاك على اعلام الامن ونشر الخبر الا بعد أيام من غيابها».تكتمت درءا للفضيحة لكن الفضيحة لا تزال تحاصرني وتحاصرها. 80 بالمائة من الهاربين إناث مندوب حماية الطفولة بالقيروان صبري بحيبح أكّد أن 80 بالمائة من الاناث لمن هن فوق ال10 سنوات يغادرن المنزل. الاخصائية النفسانية بالديوان الوطني للاسرة والعمران البشري، سمية حمدي أكّدت ان الفتيات «الهاربات لم يجدن حلا لصراعاتهن الشّخصية ولمشاكلهن العائلية، وغالبا ما تشعر بالغضب الشّديد تجاه كل افراد أسرتها أوبعضهم الذين تعجز عن التواصل معهم . ، حيث يعد الهروب بالنسبة إليهن نوعا من مواجهة الضغوطات المختلفة، ويمكن أن نُصنف مختلف الضغوطات التي تساهم في هروب هذه الفئة ضمن الديناميكية العائلية جراء خلافات بين الاب والام او رفضه الفراق او الطلاق والعنف الاسري او تعرضهن للضرب الشديد من طرف أزواج الأمهات أو زوجات الآباء أو الوالدين البيولوجيين وفي بعض الحالات من طرف الأخوة او الخوف من العقاب وغير ذلك... البحث عن الحب المفقود صفاء ( 20 سنة)، لم تجد احراجا في الحديث عن أسباب هروبها قائلة انها لم تجد الاهتمام من قبل والدتها التي كانت منشغلة بمسائل العرافة وقراءة الفنجان لزبائنها، هي لا تكترث الا لأمر شقيقتها الصغرى وكأنها ليست من صلبها لدرجة أنها كانت تسألها مع كل خلاف معها ان كانت ابنتها ام انها لقيطة وفق تعبيرها. وتضيف : «كنت أبحث عمن يعوّض لي النقص الذي كنت احس به ... كنت بحاجة لكلمة «أحبك» كنت ابحث عن لذّة من نوع آخر لا تعترف بخطوط حمراء كتلك، تدخين وكحول وجنس وحتى الزطلة» المهم أن اغامر في العالم الذي اعترف بي والذي أراه طبيعيا»...هكذا غامرت صفاء هربا الى عالم متناقض وخطير ومع ذلك تراه جدّ طبيعي. المختصة سمية حمدي وصفت هذا النوع من الهاربات ب«الباحثات عن اللذة» لأنّهن يهربن إلى الأماكن والأشخاص الذين يوفرون لهن النّشاطات الممنوعة في البيت كالجنس والمخدرات والكحول،وربما الايهام ب«الحنان» والحب. وأشارت إلى أن حياة هذه الفئة من الهاربات تتميز بالملل، لذلك تثيرهن الحياة في الشارع وهو الأمر الذي يعزز لديهن سلوك الهروب الذي غالبا ما يصبح ادمانا ويدفع بهن إلى الانخراط ضمن الجماعات المنحرفة لتمارس الأنشطة الجانحة كالدعارة والسرقة وغيرها. مضيفة أنهن يتميزن بالاندفاع وبدرجات عالية من الاكتئاب. يؤكد مندوب الطفولة أن الفتيات هن الأكثر عرضة للمخاطر المتعلقة بالاعتداءات الجنسية او الاغتصاب.قصة عاشتها ذات ليلة مراهقة في عمر ال15 عاما نهشت لحمها شهوة المنحرفين لتفقد عذريتها أولا وتحمل بابن غير شرعي ثانيا، اثناء هروبها من البيت لمدة 6 أشهر كاملة.حادثة كانت كفيلة بإيداعها بمصحة للأمراض النفسية للعلاج والإحاطة. وتفيد عديد الحالات الموجودة بمجتمعنا ان وحوش الشارع لمن يهربون اليه لا تفرق بين الغني والفقير اوبين الانثى والذكر او بين القاصر والراشد, فالذكور أيضا من الفئات المستهدفة للاعتداءات الجنسية واستدراجهم في شبكات التسوّل وتشغيلهم في محلات اصلاح السيارات في عمر مبكر جدا دون ضمانات. اذن عوامل مجتمعة تحضر بقوة لتغذي حالات الهروب كالانقطاع المبكر عن التعليم حيث تنتفي العلاقة الاحتوائية للطفل داخل المؤسسة التربوية بكل ما تحمله من رمزية ووظيفية في تأطير التلميذ إضافة الى مخالطة أصحاب السوء وما يسرّبونه فيما بينهم من شيفرات خاصة بهم تنتهي بتقليد بعضهم او محاكاة قصة هروب شائعة. فضلا عن الاستغلال عبر شبكات«الفايسبوك»واستدراج المراهقين والأطفال في اطار الجريمة المنظمة. تدعيم دور العائلة ترى منيرة بالشيخ المختصة في علم الاجتماع والمسؤولة عن الطب المدرسي والجامعي بالقيروان ان هذه الظاهرة رغم انها ليست منتشرة الا انها موجودة وتمس كل المجتمعات وكل الفئات الاجتماعية ولا يمكن الاستهانة بها وهي شكل من الثورة على كل ما يمثل السلطة العائلية الفعلية لأن المراهقة ممر عبور نحو الاستقلالية. لذا فان العائلة كلبنة أولى عليها مواكبة التغيير الاجتماعي وترسيخ القيم والمبادئ دون فرض وفتح سبل الحوار بطرق جديدة تقوم على التفهّم والصداقة والنصح والمساعدة الأبناء على حل مشاكلهم وخاصة العاطفية بذكاء الوالدين لا باندفاعهما. كما شدّد مندوب حماية الطفولة من جهته على محاولة ردم جميع الفجوات المادية والمعنوية بين العائلة والابناء من خلال تكثيف اللقاءات معهم حتى وان كانوا في حال طلاق ,كما لابد من المتابعة المستمرة لهم دون ان يشعروا بأنهم محل مراقبة. فالعلاقات الأسرية يمكن أن تكون عامل دفع للإصلاح فضلا عن دور المؤسسات التربوية والجمعيات وهياكل رعاية الشباب والطفولة بكامل فروعها والمطالبة بمزيد العمل الناجع.