كثر خلال أيام الماضية استعمال مصطلح الأمانة لدى عدد كبير من الأحزاب والأشخاص في الانتخابات الأخيرة وقد ارتأينا ان نفتح ملف هذا الأسبوع عن معاني الأمانة وحدودها شرعا. الحكم احقاق حق ، واقامة عدل ، ودفع جور، ورفع مظلمة، وصيانة وطن من عدو خارجي ووقايته من انهيار داخلي ، وعمل دؤوب على اصلاح احواله في جميع مرافق الحياة ،(فالدولة والله يقول: ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع و آمنهم من خوف) أي ان حق العبادة ، اطعام من جوع وامان من خوف.. أي ضمانة الحياة الآمنة الكريمة. سأل اعرابي الرسول الاعظم عن الساعة فكان جواب صلى الله عليه وسلم :( فاذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة !) وقد ربط الله بين الامانة و الحكم حين قال : ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ، واذا حكمتم ان تحكموا بالعدل) ، فاذا كانت الآية قد اوجبت اداء الامانات الى أهلها و الحكم بالعدل ، فهذان جماع السياسية العادلة و الولاية الصالحة. اما اداء الامانات ففيه نوعان احدهما الولايات، وهو كان سبب نزول الأية ،فان النبي صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة ، وطلبها عمه العباس ليجمع له بين سقاية الحاج و سدانة البيت ، انزل الله هذه الأية فرد مفاتيح الكعبة الى بني شيبة ، فيجب على ولي الامر ان يولي على كل عمل من اعمال المسلمين اصلح من يجده لذلك العمل. فيجب البحث عن المستحقين للولايات من المسؤولين الذين هم نواب عن الحاكم والقضاة ومن امراء الاموال ومن الوزراء والكتاب ، فان عدل عن الاحق والاصلح الى غيره لاجل قرابة بينهما او صداقة او موافقة في مذهب او طريقة او لرشوة ياخذها من ماله او منفعة او غير ذلك من الاسباب ، فقد خان الله و رسوله و المؤمنين ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى:( يا ايها الذين أمنوا لا تخونوا الله و رسوله و تخونوا اماناتكم وانتم تعلمون) . واول من عرف الحكم بالامانة هو الرسول الاعظم ، فقد جاء اب ذر يطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يوليه عملا قائلا: (يا رسول الله ، الا تستعملني ؟) فضرب بيده على منكبه ، ثم قال : ( يا ابا ذر انك ضعيف ، و انها امانة ،وانها يوم القيامة خزي وندامة ،الامن اخذها بحقها وادى الذي عليه فيها؟) ومن هو ابو ذرهذا ؟ انه الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم (ما اضلت الخضراء ولا اقلت الغبراء اصدق لهجة من ابي ذر !). من هذا نعلم ان ركني الولاية : المقدرة وتشمل الاختصاص واللياقة بحيث ياخذها الواحد بحقها، و ثانيها ان يؤدي الذي فيها أي ان يتصف بالنزاهة والعفة ودفع الهوى الشخصي والاستهانة برشوات المنصب . وفي توكيد هذين الركنين قول الله تعالى :(ان خير من استاجرت القوي الامين..) وهذا عزيز مصر ، فرعون ، يخاطب يوسف حين تعيينه على المال قائلا:( انك اليوم لدينا مكين امين).. و لعله من اروع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال: (ان الله يبغض السلطان الركيك) فالركاكة في الحكم تؤدي الى انهيار الدول : وقد قال عبد الله ابن مروان لابنه وولي عهده الوليد(يا بني ، اعلم انه ليس بين السلطان ان يملك رعيته او تملكه الا كلمتان :حزم و توان). أي يجب ان يتصف بالمنقبتين معا : ان يكون مكينا، قويا حازما ، وان يكون امينا.. وتقول الاية الكريمة :( اجعلني على خزائن الارض ، اني حفيظ عليم). اذن ان صفتي الحفظ والعلم من المؤهلات الضرورية لمن يلي امر الناس. والواقع اننا حين لا نقيس في اختيار المسؤولين بمقياسي الكفاية والامانة ،فثم خيانة !واذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم ينحي عن العمل صحابيا جليلا لضعف أنه فيه ، فما نقول في من تكون اسباب اختياره كلها لا تمت بصلة الى كفاية ، ولا ينسب الى اختصاص ودراية، ولا بعلاقة الى خلق واستقامة ،وانما هي (المحسوبية) والصداقة مع ضرورة توافر عناصر الجهل و العجز و الرياء و خراب الذمة.