يتم تسويق النقاشات الدائرة حول الحكومة المقبلة ، كمفاوضات حول البرامج والرؤى ، في حين ان الأحزاب التي تناقش هذا الملف تتقارب برامجها حتى التماهي أحيانا ، وتحاول هذه الأحزاب رفع شعار «البرامج» لتغطي على حقيقة ما يحدث من مفاوضات حول اقتسام الحقائب الوزارية والمحاصصة الحزبية . تونس -الشروق - التقى امس ممثّلون عن حركة النهضة بقيادات من حزب حركة الشعب ، ثمّ ستنعقد سلسلة لقاءات اخرى لمناقشة ما سمي بالاتفاق على برنامج عمل الحكومة المقبلة، الذي سيحدد مواقف هذه الاحزاب من المشاركة في هذه الحكومة ودعمها سياسيا أو الوقوف في صفّ المُعارضة. المحاصصة هذا اللقاءات سبقها لقاء رسمي مع حزب التيار الديمقراطي وسلسلة من اللقاءات غير الرسمية ،في محاولة لتحضير أرضية مشتركة يقف عليها كل الأحزاب الراغبة في الانضمام للحزام السياسي للحكومة المقبلة ، لكن كل هذه اللقاءات التي تمت عنونتها بنقاشات البرامج والمخططات ، كانت تفاصيلها مخالفة لهذه الشعارات فالجزء الأكبر من مساحة النقاش كان للحديث عن «المحاصصة « والمناصب التي يمكن ان تقدمها النهضة هدية لمن يرغب في ان يقف في صف الداعمين للحكومة . ما لا ترغب الأحزاب في التصريح به هو ان الخلافات الأساسية بين الأحزاب التي يمكن ان تؤثث الحزام السياسي للحكومة وحركة النهضة ، كان أساسها اليات تقاسم المناصب داخل التشكيلة الحكومية، ولئن كان اختيار كل حزب للحقيبة الوزارية التي يرى انه قادر على تحقيق الإضافة ان تم تمكينه منها ،إلاّ ان تحديد موقف الحزب من المشاركة في الحكومة او الوقوف ضدها ، ارتباطا بتمكينه من الحقائب التي يريدها ،يجعل الامر أشبه بمحاصصة حزبية خارج أي برامج عملية . العناصر الكبرى لعمل الحكومة المقبلة ، لا يمكن ان تكون محل خلاف بين الأحزاب ، فمحاربة الفساد ومكافحة الإرهاب وتفعيل مبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات والتقليص من نسبة البطالة والتخفيض في عجز الميزانية ... عناصر مُتّفق عليها ولا يمكن ان تكون حتى محل نقاش ، وهي العناصر التي أثثت برنامج عمل حكومة الحبيب الصيد وحكومة يوسف الشاهد ووثيقة قرطاج . التوافق حول البرامج ملامح برنامج عمل الحكومة المقبلة لا يمكن ان يأخذ حيّزا زمنيّا مطولا في نقاشات الأحزاب ، وتبقى المساحة الأكبر مخصصة للحديث عن الحقائب الوزارية التي يطالب بها كل حزب ، او الحقائب التي تعرضها النهضة عليه ، فحتى حركة النهضة ليست خارج هذا الاطار بل هي منخرطة فيه بشكل كلّي ، فتمسّك الحركة بخيار راشد الغنوشي رئيسا للحكومة ، بالرغم من ان الدستور يمنحها صلاحية اختيار رئيس للحكومة ولا يجبرها على ان يكون منها ، يمكن اعتباره أولى الخطوات في سياق المحاصصة . حزب التيار الديمقراطي ،كان من اكثر الأحزاب وضوحا في هذا الملف ،حيث اكدت قيادات الحزب في اكثر من تصريح اعلامي انهم يطالبون بتمكينهم من وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الإصلاح الإداري .. كشرط أساسي من ضمن شروط أخرى للمشاركة في الحكومة والتصويت لصالحها . أما حركة الشعب التي أكّد امينها العام زهير المغزاوي انها لا ترغب في المشاركة في حكومة محاصصة حزبية ، فقد تم اقتراح وزارة التربية على القيادي فيها سالم لبيض ، حيث قال لبيض في تصريح اعلامي مؤخرا «لقد تمّ الاتصال بي من حواشي النهضة . وأنا لا نية لي في ذلك ولم أعبر. أنا جندي في حركة الشعب أأتمر بأوامرها وأنفذ قراراتها. الحكومة لا تُمثّل لي أي إغراء بالعكس تضحية كبيرة ومسؤولية كبيرة ورؤيتنا للعمل الحكومي والسياسي ليس غنيمة وإنما مسؤولية أمام الشعب..» . المستقلين أما المستقلون الذين تحاول النهضة استمالتهم للتصويت للحكومة التي ستترأسها شخصية تختارها ، فقد تم كذلك اغراؤهم بتمكينهم من نفوذ في مستوى التعيين في مناصب شديدة الأهمية صلب الدولة ، دون الحديث عن برامج وأفكار يمكن طرحها في سياق برنامج عمل الحكومة . الاغراءات المقدمة للاصطفاف خلف الحكومة لم تنحصر على الأحزاب فقط بل امتدت حتى للاتحاد العام التونسي للشغل ، فعديد المصادر الإعلامية اكدت ان النهضة عرضت على الاتحاد المشاركة في الحكومة بعدد من الوزارات ، لكنه رفض وأكد أنه معني بالمشاركة في البرنامج ولا تهمه المناصب الحكومية. كما شدد الاتحاد على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة مشيرا الى انه غير معني بالمفاوضات حول تركيبتها . الهاروني: التيار الديمقراطي يبحث عن المحاصصة الحزبية أكد عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة أن التيار الديمقراطي طلب من حركة النهضة عدة حقائب وزارية شريطة المشاركة في حكومتها القادمة مما يدل أن هذا الحزب يبحث عن المحاصصة الحزبية للحكم وهو شرط ترفضه الحركة الاسلامية التي تسعى لتشكيل حكومة كفاءات وطنية لا حكومة أحزاب ومحاصصة.