يعتبر فريق تونس اليوم في قناة «الحوار التونسي» الذي تديره السيّدة مريم بالقاضي من البرامج التي تنصبّ -هذه الأيام- على صحافييها ومعلّقيها من طرف من يدّعون الانتساب لك –سيّدي الرئيس- من الشتائم والتهديدات ما لم نره إطلاقا منذ انتخابات 2014. وقد ذهب بنا ظنّنا أنّ ما عاناه الإعلام إبّان 2011 من سبّ ومحاصرة وتهديد قد ولّى وانتهى وذلك بالحدّ من سيطرة المتطرّفين الذين كانت تحميهم الترويكا وكذلك بتقدّم التجربة الديمقراطيّة في بلادنا. حيث اكتسب الإعلام بعض الحريّة التي تسمح له بإبداء الرأي وانتقاد الحكّام وتنبيه المواطنين الى كلّ ما قد يعود بنا الى الوراء لأنّ الصحافة الحرّة تبرز بوضوح انعكاسات نوعيّة الحكم على حياة المواطن. وكان من الطبيعي جدّا أن تقوم الصحّافة بواجبها نحو المواطنين أثناء الحملات الانتخابيّة لتوعية الناخبين بالحياديّة اللازمة تحت رقابة الهيئة العليا المستقلّة للإعلام السمعي البصري التي هي وحدها المخوّل لها قانونا محاسبة تجاوزات الإعلام . وفي هذا السياق الانتخابي قام فريق تونس اليوم ما يراه دوره الإعلامي. وقد بدا للبعض أنّ هذا الفريق لم ينصف المرشّح» قيس سعيّد» لأنّه فعلا قد اهتمّ كثيرا بهذا المرشّح .ووجّه اليه كثيرا من النقد واللوم فهل كان هذا انحيازا لبقيّة المرشّحين ضدّ هذا المرشّح أم كان لهذا النقد أسباب موضوعيّة؟ إنّ المتابع النزيه لحملة قيس سعيّد والمتابع لما يقال عنها في الحوار التونسي يشعر أنّ فريق الحوار التونسي لم يقبل أن يمتنع المرشّح للرئاسيّة عن الحديث للصحافة والإجابة عن أسئلتها وهي صوت المواطن ولم يقبل صحّافيوها مثل كثير من الصحّافييّن الشرفاء في تلفزات أخرى أن لا يُعرّف هذا المرشّح- الوافرة حظوظ نجاحه بنفسه وببرامجه وباختصار شديد أن ينتخب الشعب مرشّحا غامضا لا يعرفون عنه إلّا أنّه يحسن الرطن بالعربيّة وقد ذهبوا في نقدهم هذا إلى بعيد وهذا من حقّهم لكن لم يتّسم نقدهم هذا للشخص بالشتم ولا بالتبخيس ولا بأي وسيلة غير أخلاقيّة بل كانت مواقفهم تتّسم بالحكمة وعمق التحليل والنأي بالنفس عن المسّ من كرامة أو عرض هذا المرشّح وأكرّرها ألف مرّة أنّ هذا من حقّهم بل هو من واجبهم تجاه المواطنين إذ الصحّافة النزيهة هي لسان المواطن ولمن يشكّك في مواقف هؤلاء المحلّلين فما عليه إلّا أن يرجع لما قيل في هذه الحوارات حتّى يتيقّن أنّ ما أحيط حول ملفّات الحوار التونسي في «بلاتو» تونس اليوم هو زوبعة في فنجان لا تستحقّ من مدّعي نصرة قيس سعيّد أن يتنادوا لمقاطعتها وشتم القائمين على هذا البرنامج وتخوينهم فما بالك بالتهديد بالتصفيّة . لكن هذه الجماعات التي ما زلنا لا نعرف إلى الآن- وقد وصل الرئيس إلى قرطاج-ما هي علاقاتها بالرئيس وهل هي فعلا من مكوّنات حملته والحزام الذي أحاط به أثناء هذه الحملة؟ ونعتبر أنّ مجرّد تصريح الرئيس أنّه لا يمكن أن تحسب عليه غير كاف لأنّ هنالك كثيرا من الأدلّة التي تثبت أنّه جالسها وقبل مرافقتها له وهدّدت في كثير من الأحيان باسمه- من يتعرّض له بالنقد ووصلتْ إلى حدّ استعمال العنف المادي في كثير من المناسبات وخاصة مع إحدى صحفيات «الحوار التونسي» عندما كانت بصدد تغطيّة احتفال أتباع قيس سعيّد بالانتصار فكيف يمكن للرئيس أن يثبت عمليّا- لا بمجرّد تصريح محتشم وبمناسبة- للشعب التونسي أنّه لا يقبل انتساب هذه الجماعة إليه ولا يخافها وسوف لن يبقى تحت وصايتها كما تدّعيه ؟ خاصة وأنّ كثيرا من الجهات النقابيّة والحقوقيّة قد أصدرتْ بيانات تندّد فيها بأفعال هذه الطائفة وتحذّر من محاولة محاصرة الإعلام وتركيعه. الأمر بسيط جدّا فالرئيس يستطيع أن يبعث برسالة لكلّ وسائل الإعلام وللصحفيّن وللشعب التونسي عامة الذي صار متخوّفا من ادّعاءات هذه الجماعة ليطمئنهم على حماية الحرّيات المكتسبة وحريّة الصحافة بالخصوص وأنّه مساند للصحفيّن وسوف يحميهم وأنّه لا يَسمح للمتهجّمين على الإعلام أن يتكلّموا باسمه وأنّ القضاء هو الفيصل بينهم وبينه إن هم تجاوزوا حدودهم وأصرّوا على الانتساب إليه ؟ فما هي هذه الرسالة التي لا تكلّف الرئيس شيئا والتي سيكون لها مفعول ايجابي على حياة أغلب المواطنين الذين صاروا متخوّفين من هذه الجماعة التي تنسب نفسها للرئيس والتي لا يخفى على أحد أنّها مارستْ العنف سابقا وأنّها متضلّعة فيه؟ هي رسالة رمزيّة وبليغة في نفس الوقت وسنعرف من خلالها هل أنّ ما نعتْ به الرئيس من أخلاق عاليّة وحياديّة واستقلاليّة هي حقيقة أم أنّ ذلك مجرّد شعور من المحيطين به لأنّه لم يتحمّل المسؤوليّة سابقا وأنّه لم يوضع على محكّ الواقع فهذا يعتبر أوّل امتحان له ليعرف الشعب التونسي مدى تحلّي الرئيس بهذه الخصال التي رجّحتْ انتخابه. فالفرصة أمامه وما عليه إلّا أن يستقبل فريق «تونس اليوم» والصحفيّة التي اعتدي عليها عند الاحتفال بنجاحه ويعمل على طمأنتهم ويشدّ من أزرهم لأنّهم يعيشون ظروفا حرجة جدّا حتّى لا أقول خطرة إذ هم مهدّدون في حياتهم ويتنقّلون بالحماية الأمنيّة لا لشيء اقترفوه إلّا أنّهم وفي نطاق ممارستهم لوظيفتهم الإعلاميّة انتقدوا شخصا وصل لرئاسة الجمهوريّة فاستأسد أتباعه الذي لا نعرف إلى اليوم هل هم أتباع حقيقيون أم هم من المتسلّقين؟ لكنّ هذا سيتّضح لكلّ التونسييّن من خلال موقف رئيس الجمهوريّة من هذا المقترح. إنّ سياسة السكوت عن الاعتداءات أو مجرّد التنديد بها وقاعدة حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت لا تليق بمن هو رئيس كلّ التونسييّن. فبمن يستجير المُعْتدى عليه إن لم يكن بك أم تريدُ أن تُنَصِّب نفسك الخصم والحكم في هذا الموضوع ؟ وفي الختام أسْتَسْمِحُ رئيس الجمهوريّة -لحثّه على بلورة موقفه من المتسلّقين بالانتساب إليه الذين مازالوا يمثّلون لُبْسًا عند عامة الشعب التونسي- قَبُول أن أذكّره بقول تعالى في الآية 42 من سورة البقرة :»و لا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون»صدق الله العظيم. فَأنِرْنَا أنَارَكَ الله وارْفَعَ عنّا ما عَلِق بنا من لُبْس رفَعَكَ الله والسلام.