بات من الواضح والجلي أن حركة النهضة متمسكة برئاسة الحكومة وفق ما يقتضيه الدستور وتنفيذا لما أقره مجلس شورى الحركة. وتناور النهضة باسم راشد الغنوشي لتوليه رئاسة الحكومة بتشكيلة تضم أوسع ما يمكن من الطيف السياسي لضمان حزام برلماني قوي بمشاركة وزراء تشترط فيهم الكفاءة والنزاهة يشتغلون وفق برنامج مسطر. توجهات النهضة هنا لم تخرج عن المنطق السياسي وما يقتضيه الدستور بل وما يطلبه الشعب المتطلع إلى حكومة قوية نزيهة، خادمة له وحريصة على تغيير حاله من حال إلى أحسن حال.. مخاض تشكيل الحكومة، وخلافا لما تبديه النهضة لن يكون بهز جذع النخلة ليساقط عليها رطبا جنيا، بل بعملية قيصرية تستوجب من «المفاوض» أن يكون حكيما جراحا حاذقا في استعمال المشرط والمقص.. المفاوضات وبالرغم من أنها تسير بنسق سريع، فإن مخرجاتها لم تتضح بعد أن سارعت "الأحزاب الأولى" إلى الرفع من السقف والتلويح بالجلوس على الربوة وكرسي المعارضة المريح، لتجر مفاوض النهضة إلى المربع الذي يضمن تثبيت نجاحها حفاظا على الاستحقاقات المقبلة.. كل الأحزاب التي تتفاوض معها النهضة تحرص على الحصول على ضمانات النجاح، مع تمسكها بتمثيل حقيقي وواسع داخل الحكومة، فلئن رفعت وترفع جلها راية الكفاءة، فإنها تستبطن المحاصصة على استحياء شديد متوجسة من تطبيق الفصل 89 الذي ربما لن يكون لصالحها.. المخاض صعب، والنهضة وبنتائج الانتخابات لا يمكنها أن تنتبذ من بقية الأحزاب مكانا شرقيا، بل عليها أن تنفتح عليهم جميعا عدا من أقصتهم حتى قبل النتائج – قلب تونس والحر الدستوري – وهي مطالبة بأن لا تجيء للشعب بحكومة «فريا» وهي التي خسرت جزءا كبيرا من ناخبيها وتتهددها خسارة أخرى إن هي فشلت في تكوين حكومة تستجيب ل«الشعب يريد».. رئيس الدولة دخل على الخط منذ توليه الرئاسة ونادى بتسريع تكوين الحكومة واجتمع مع كل الأحزاب تقريبا ربما لتقريب وجهات النظر، ومن ناحيته دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى الإسراع بتشكيل الحكومة لتسليم عهدة ثقيلة تنتظرها صعوبات بالجملة، ربما تعود إليه ولو من باب إحدى الوزارات إن لم تكن رئاستها.. اتحاد الشغل، المعادلة الصعبة في المشهد السياسي في البلاد، ولئن اكتفى بالمتابعة كل هذه الفترة، فإنه خرج في نهاية الأسبوع ليعلن على لسان الأمين العام المساعد سامي الطاهري أن "تواجد ائتلاف الكرامة ومؤسسه سيف الدين مخلوف في الحكم هو إفساد للوضع والمناخ وتأجيج للوضع الاجتماعي .."ليخرج بذلك النهضة من جذع النخلة مانعا عنها "رطبا جنيا "...