أحزاب كثيرة مرت بجانب الحدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة منها من كان يتحكم في المشهد السياسي، ومنها من كان يزمجر في البرلمان، ومنها من كان يؤلب الشارع ويؤثر في الرأي العام فأي مصير لها على المدى العاجل والآجل؟. تونس (الشروق) من نداء تونس الذي اكتفى بثلاثة مقاعد بعد أن كان يتسيد المشهد النيابي ب 86 مقعدا، إلى الجبهة الشعبية التى صارت ممثلة في مجلس نواب الشعب بمقعد وحيد (منجي الرحوي) بعد 15 مقعدا في دورة 2014 إلى الوطني الحر الذي غاب تماما بعد تمثيليته المؤثرة... في الانتخابات الأخيرة صعقت بعض الأحزاب بتوديع البرلمان بعد إقامة مريحة نسبيا فيه مثل آفاق تونس وحركة مشروع تونس، وواصلت بعض الأحزاب انحدارها نحو الهاوية مثل أحزاب التكتل والجمهوري والمسار وتيار المحبة وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين والمؤتمر من أجل الجمهورية و"ابنيه" حراك تونس الإرادة وحركة وفاء... فيما مني البعض الثالث بخيبة أمل من التشريعية الأخيرة بعد أن بنى أحلاما كبيرة على الانشقاق من نداء تونس مثل حزبي أمل تونس وبني وطني وغيرهما، فهل لهذه الأحزاب وما شاكلها أمل في العودة من جديد إلى الواجهة؟. نهاية محتومة يبدو نداء حزب تونس تونس أكثر الأحزاب تضررا في الانتخابات التشريعية الأخيرة وفي تاريخ الانتخابات التونسية إذا ما استثنينا التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بقرار قضائي. هذا الحزب الذي ولد أكبر من حجمه بتقدمه في تشريعية 2014 وحصوله على 86 مقعدا بعد عامين فقط من ولادته بدأ سريعا رحلة التفتت حتى انتهى به الأمر إلى الاكتفاء بثلاثة مقاعد فقط لا تسمن ولا تغني من جوع. هو الآن مستثنى من مشاورات تشكيل الحكومة ولن يكون له وزن مؤثر في المعارضة ومن المستبعد أن يستعيد ولو نزرا من قوته إلا إذا نجح في تجميع أبنائه المنشقين لكن هذا الأمر شبه مستحيل في غياب الشخصية القادرة على التأثير والتجميع. من المفترض أن يتواصل انحدار النداء نحو الهاوية ليغيب تماما عن المواعيد الانتخابية القادمة مثله في ذلك مثل جل الأحزاب التي سطع نجمها في انتخابات المجلس التأسيسي مثل التكتل وتيار المحبة والمؤتمر وحراك المرزوقي ووفاء... فهذه الأحزاب فقدت بريقها ولم تعد تملك ما تستند إليه لإعادة الإشعاع. الحل في الجبهات من المفترض أن تتكرر النهاية ذاته مع أغلب الأحزاب التي أثثت المجلس الوطني التأسيسي مثل المسار والجمهوري وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وأن تشمل أيضا الأحزاب التي سطعت في تشريعية 2014 وخاصة منها الاتحاد الوطني الحر (الوطن الجديد) وآفاق تونس والجبهة الشعبية… وأن تشمل أيضا الأحزاب التي ولدت عشوائيا دون سابق تحضير مثل أمل تونس وبني وطني فجميع هذه الأحزاب لم تعد تملك أدنى حظ في البروز سواء على المستوى الآجل أو العاجل لأنها تفتقد إلى مقومات النجاح مثل الأرضية التي تستقطب عددا كبير من الأنصار والشخصية القيادية التي تستهوي العامة والمواقف السياسية المؤثرة والإمكانات المالية الضخمة فضلا عن الدعاية والحضور المؤثر إعلاميا. الحل الوحيد أن تراجع هذه الأحزاب وغيرها أخطاءها وأن تغير أهدافها واستراتيجياتها وقياداتها بما يوافق متطلبات المرحلتين الحالية والقادمة والأهم أن تعمل بجدية على تكوين جبهات وائتلافات واندماجات فيما بينها ومع الأحزاب المقربة منها. حياة أو موت شهدنا في انتخابات 2014 نجاح تجربة الجبهات مع الجبهة الشعبية وشهدنا أحد أسوإ التجارب في انتخابات 2019 مع الجبهة ذاتها. هذه النهاية الموجعة لأطرافها لا تعني أن توحيد الجهود فاشل بل يكمن التفسير الوحيد في عدم العمل بجدية على مشاكل الجبهة ما أدى إلى انفجارها. اليوم من الصعب إعادة تجميع أطراف الجبهة الشعبية ذاتها ولكن يمكن لقسميها المتضادين أن يعملا على استقطاب الأحزاب المقربة منهما وأن يشكل كل واحد جبهته التي تعيده إلى المشهدين السياسي والبرلماني كما كان حال الجبهة الشعبية في تشريعية 2014. بالقياس يمكن لأحزاب التكتل والمؤتمر والحراك ووفاء أن تتشكل من جديد في حزب واحد يساري ديمقراطي اجتماعي لاسيما وأن الاختلافات بينها بسيطة، كما يمكن للأحزاب التي تفرخت عن نداء تونس أن تبحث عن سبيل للاجتماع ثانية وأن تستقطب الحزبين اللذين حققا الحد الادنى من النجاح في الانتخابات الأخيرة وهما قلب تونس وتحيا تونس. هي خيارات صعبة لمن يؤمن بالزعامة ويفكر في المصالح الشخصية ولكنها تبقى الحل الأمثل للبقاء على قيد الحياة السياسية فإما حياة في إطار الجبهات والائتلافات والاندماجات وإما النهاية الأبدية. الأطراف الفاشلة في تشريعية 2019 نداء تونس (من 86 مقعدا إلى 3 مقاعد) الاتحاد الوطني الحر (من 16 مقعدا إلى صفر من المقاعد) الجبهة الشعبية (من 15 مقعدا إلى مقعد واحد) مشروع تونس (من 15 مقعدا لدى كتلة الحرة إلى 4 مقاعد) آفاق تونس (من 8 مقاعد إلى مقعدين) أحزاب من المجلس التأسيسي تغيب عن البرلمان القادم أحزاب المؤتمر والتكتل والجمهوري والمسار وتيار المحبة وحزب المبادرة والقطب الديمقراطي الحداثي وحزب العمال الشيوعي التونسي وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحركة الوطنيون الديمقراطيون. فشل نسبي يمكن قراءة نتائج حركة النهضة في انتخابات 2014 التشريعية بطريقتين متعاكستين فهي حققت نجاحا نسبيا بما أنها حلت أولى وامتلكت الحق الدستوري في تشكيل الحكومة وهي في الآن ذاته حققت فشلا نسبيا بما أنها لم تحصل إلا على 52 مقعدا بعد أن امتلكت في بداية الدورة البرلمانية الماضية 69 مقعدا.