بعد أشهر، بل شهور، زرت بلدتي الطيّبة بدعوة كريمة من جمعيّة التراث رفقة صديقين المنصف بلحولة رئيس نادي مصطفى الفارسي للإبداع وصالح بيزيد أمين المال، زيادة على كون الأوّل موثّقا مشاركا في الحياة النقابيّة وكون الثاني إذاعيّا مساهما في الحياة الثقافيّة. شاءت الصدفة أن يعترضني صديق قريب فيلحّ بألم وحسرة على أن يريني شيئا لا يليق بتونس، هو علمها الذي صار لطول الإهمال في حالة لا يليق بي – أنا أيضا وفي معنى آخر – وصفها كأن أقول إنّه تحوّل إلى خرقة كاسفة لفّتها الرياح على عمود على واجهة تعيسة – هي أيضا – لمقرّ إدارة مهرجان المالوف. صورة تعكس حال البلدة ومهرجانها متكرّرة في أنحاء بلادي . ذاك هو رمز الوطن الذي سالت في سبيله دماء الشهداء وسجن عديد المناضلين، منهم والد صديقي المرحوم حمادي شيخ .. وهو كذلك رمز سلطة الدولة ووحدة الشعب . أمر كهذا جدير بإصرار مرافقيّ على تصويره وبلفت نظر عضو الإدارة إلى خطورته، على أمل تداركه بعد طول اللاّمبالاة، كأن لم يره أحد سواء من المسؤولين أو من المواطنين، أو أنّهم جميعا لا يعرفون أنّ إهانة العلم جريمة يعاقب عليها القانون. جاء في المجلّة الجزائيّة المنقّحة بالقانون عدد 46 لسنة 2005 المؤرّخ في 6 جوان 2005 والصادرة بالرائد الرسمي عدد 48 بتاريخ 17 جوان 2005 صفحة 1412 الفصل 129 : « يعاقب بالسجن لمدّة عام كلّ من ينتهك علانية بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة أو بغير ذلك من الطرق العلم التونسي أو علما أجنبيّا « . ومعناه أنّ كلّ دولة مطالبة بحماية علمها الوطني وأعلام الدول الممثلة فيها دبلوماسيّا . كما جاء في المقرّر الوزاري عدد 2223 / 2002 المؤرّخ في 23 جانفي 2002، الفصل 24 : «يحجّر على العسكري الاستعمال غير المشروع لراية التفاوض أو العلم الوطني للعدوّ وكذلك للعلامات المميّزة الواردة بالمعاهدات الدولية « . ومعناه أنّ الجندي مطالب بحماية علم العدوّ فضلا عن علم بلاده . وبالتالي يجرّم كلّ من يشوّه العلم أو يدنّسه أو يمزّقه أو يحرقه علنا أو يوقعه أرضا أو يدوسه أو يزدريه أو يرفض الامتثال لأوامر التنكيس في حالات الحداد أو الزينة في أيّام الأعياد أو يرفع علما آخر مكانه أو يعلي عليه أو يقدّم عليه علما آخر لبلد أو لمنظّمة أو لطائفة أو لجمعيّة . لكنّ الجهل والاستخفاف وضعف روح المواطنة حتّى لدى الأحزاب وراء عديد التجاوزات والانتهاكات . ومن أمثلتها إنزال العلم عن واجهة كلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة يوم 7 / 3 / 2012، وعدم حفظه ليلا، وعدم تجديده إذا بهتت ألوانه أو تمزّق قماشه، وعرضه مقلوبا، واستعماله كلباس أو كعلامة تجاريّة . ومن أمثلتها أيضا تعمّد فتاة منقّبة في إحدى المظاهرات بتونس في أفريل 2012 رفع راية « داعش» السوداء مثبّتة إلى عصا الرمح وأسفلها العلم الوطني بحجم ثلثها تقزيما له، وكذلك رفع تلك الراية في صفاقس يوم 1132012 بما أغضب الأهالي على الجاني السلفي، وإحراق العلم في بنزرت يوم 1542013 احتجاجا على عدم ترشّح فريق المكان لنهائي البطولة، وكذلك رفع الراية الأمازيغيّة عوضا عنه كعلامة هويّة ورغبة في الانفصال. وآخر البدع رسمه على الأرصفة وحاويات الزبالة وربّما على المراحيض ! وأخطر من تلك الأمثلة تقاعس بعض المربّين عن موكب تحيّة العلم على مرأى ومسمع من تلاميذهم، واشتراك هؤلاء وأولئك في التشويش أثناء النشيد المسجّل المرافق لرفعه استنكارا للوضع ما لم ينقطع الشريط في منتصف عبارة « إذا الشعب ...» . ولكن لا بدّ أن يستجيب القدر لتونس رغم عيش من خانها فيها .