الاكتظاظ في قاعات العروض خلال أيام قرطاج السينمائية ظاهرة لافتة تتكرر كل دورة وفي كل الأفلام تقريبا وكل القاعات لكن بمجرد انتهاء الدورة تعود القاعات إلى صمتها. تونس «الشروق» يتزامن عرض الشريط الجديد للنوري بوزيد "عرايس الخوف" مع عرض شريط "قبل ما يفوت الفوت" لمجدي لخضر وكلاهما يعرض في أكثر من قاعة كما تعرض أفلام أخرى في عديد الفضاءات لكن الملاحظ أن القاعات التي كانت مكتظة خلال أيام قرطاج السينمائية أقفرت من روادها وعادت إلى صمتها رغم أهمية الأفلام التونسية التي تبقى دائما الأكثر أقبالا. هذه الظاهرة لها دلالات كثيرة؛ فالتونسي ككل الشعوب المتوسطية يحب ثقافة الاحتفال وأيام قرطاج السينمائية هي تظاهرة احتفالية تغير إيقاع الشارع التونسي خاصة وسط العاصمة كما أن الأسعار الشعبية (3دنانير) المعتمدة في أيام قرطاج السينمائية تشجع الطلبة خاصة على المتابعة يضاف إلى ذلك حب التونسي "للحضبة" ولكن ليس لهذه الأسباب فقط تكتظ القاعات بعشاق السينما فهناك أسباب أخرى لكثافة الجمهور. سينما من العالم اللافت في أيام قرطاج السينمائية أنها نافذة وحيدة على سينما العالم وثقافاته؛ فقد اكتشف التونسيون أعماق أفريقيا وثقافاتها من خلال أيام قرطاج السينمائية التي كانت الفرصة الوحيدة لاكتشاف سحر أفريقيا كما كانت الأيام نافذة لاكتشاف أمريكا اللاتينية والسينما العربية وخاصة الفلسطينية والجزائرية والمغربية التي لا يقتنيها الموزعون إلا نادرا. وخلال الدورة الأخيرة اكتشف الجمهور تجارب جديدة مثل السينما السودانية والسعودية وهما تجربتان مجهولتان سابقا لم يكن ممكنا التعرف عليهما خارج أيام قرطاج السينمائية وهذا مكسب كبير تحقق للجمهور التونسي المولع ببهجة الحياة رغم كل محاولات أفغنة البلاد وطمس سحرها المتوسطي. ومن بين أسباب غياب الجمهور عن قاعات السينما الوضع الذي تعيشه العاصمة التي تنام باكرا مع مشاكل النقل و"البراكاجات" في الشوارع والأنهج المحيطة بشارع الحبيب بورقيبة مثل شارع قرطاج ونهج القاهرة ونهج مرسيليا وساحة برشلونة وشارع جمال عبد الناصر وشارع روما فبمجرد بداية الليل حتى يصبح المرور منها محفوفا بالمخاطر ولهذا السبب يتردد المواطنون في المغامرة بالذهاب إلى السينما ليلا وقد ألغيت الحصة المسائية التي كانت في التاسعة ليلا في أغلب قاعات وسط العاصمة لإنعدام الاقبال وقد كانت هذه الحصة هي المفضلة إذ أنها الحصة الوحيدة بعد التوقيت الإداري بالنسبة للموظفين خاصة. وقد شكل إلغاؤها منذ سنوات طويلة مؤشرا على تحولات عميقة في الحياة اليومية للعاصمة مع غلق العديد من القاعات وتحويلها إلى محلات لبيع الملابس أو الأثاث أو حانات أو بيع "الروبافيكيا" إنه زمن جديد لا يتسع لبهجة السينما !