ثلاثون سنة تمرّ اليوم على أحد أهم أحداث نهاية القرن العشرين. إنه سقوط جدار برلين. لقد فرّق هذا الجدار بين شطري جسم الشعب الألماني لمدة ثمانية وعشرين (28) سنة، ومن وراء الألمان فرّق كل شعوب أوروبا بعد أن أسدل عليها هذا الجدار جدارا رمزيا ولكنه حقيقيا «جدار حديدي» حسب العبارة الشهيرة للزعيم البريطاني ونستن تشرشل، للفصل بين أوروبا الشيوعية وأوروبا الرأسماليّة. كان جدار برلين يُسمى «جدار العار» في الشطر الغربي من أوروبا بينما كان يوصف في شرقها بالجدار «العازل ضد الفاشيّة» كان الصراع الدائر ما بين جانبي الحائط صراعا معلنا متواصلا. كان صراعا بين رؤيتين للعالم متضادتين. بين الشيوعية وبين الرأسمالية. بين نظرية المساواة وبين نظرية الحرية. لم يكن أحد يتوقع أن ينتصر حلف على الآخر انتصارا قاطعا وكان العالم راضيا إلى حدّ بما كان يسمى «بالحرب الباردة» المرتكزة على توازن قوى الرعب التي كان يمتلكها العملاقان زمنئذ الاتحاد السوفياتي الشيوعي والولايات المتحدة الرأسمالية. لم يكن أحد يتوقعها لكن قدرة الشعوب على تحقيق المعجزات كثيرا ما تكذب التوقعات. فلقد تجنّد الشعب الألماني من جانبي الجدار واتحد وتحدى أعنت المخاطر وأسقط الشباب في ليلة ما بنته الايديولوجية في سنوات. لقد كانت ثورة سلمية لم تطلق فيها رصاصة ولم ترق فيها دماء، لقد كان انجازا تاريخيا من أجل الديمقراطية. لقد كان، وهو الدرس الأكبر من سقوط جدار برلين، انتصارا لأهم قيمة انسانية: الحريّة. صحيح أن النّشوة بتحقيق هذا المكسب، مكسب الحرية، فتحت الباب أمام التصورات الواهمة وظن البعض أن «التاريخ انتهى» وأن الانسانية دخلت إلى الأبد في جغرافية الديمقراطية. وصحيح كذلك أن سقوط جدار برلين لم توقف إرادة بناء جدران أخرى ظالمة تفرّق بين الشعوب ولا توحّد. وصحيح أيضا أن وحدة ألمانيا، ومن ورائها وحدة أوروبا التي أتاحهما سقوط الجدار البرليني لم تُنه الحرب الباردة التي عادت قوية خطيرة وإن بأشكال مختلفة عما مضى. وصحيح أخيرا أن جدرانا خبيثة أخرى تبشّر بالتطرف والعنصرية ظهرت في بلدان القارة العجوز بدءا بألمانيا نفسها، وبالمجر وبولونيا وتشيكيا وغيرها من البلدان التي كانت قبل ثلاثين سنة تعاني القمع الديكتاتوري. صحيح كل ذلك لكن الحرية التي استعادها الشعب الألماني وبفضله حقق وحدته تبقى أغلى مكسب والدرس الأكبر لكل الشعوب من سقوط جدار برلين. اليوم وغدا وأبدا.