يتجه الخطاب في الفضاء العام التونسي نحو حالة من التشنج والتوتر . وتبرز ملامح هذا الخطاب خصوصا في الميديا الاجتماعية وكذلك في تصريحات بعض السياسيين الامر الذي جعل التونسي يستشعر العودة الى مربّع السنوات الأولى للثورة. تونس/الشروق انتهت الحملة الانتخابية رسميا بتنظيم الانتخابات العامة. ولكن الوهج الساخن للتنافس لم ينته بعدُ من النقاشات السياسية في الفضاء العام والذي أصبحت الميديا الاجتماعية جزءا منه ليسود المناخ التونسي ما بعد الانتخابات جو من التشنج والتوتر وتنامي خطاب الكراهية بالتزامن مع حالة الانتظار والترقب حول تشكيل الحكومة الجديدة. وضع يثير المخاوف لدى الكثير من التونسيين. إذ ان التشنج وبث الكراهية في إطار التوظيف السياسي وخدمة الاجندات الحزبية لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان يقود البلاد الى وضع أفضل. عودة الى مربّع 2012 سادت البلاد حالة من التشنج والتوتر عقب انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وبرزت اثرها ميليشيات اعتدت على من أرادوا احياء ذكرى شهداء 9 افريل 1938. وبلغ الامر حدّ سحل المنسق الجهوي لحركة نداء تونس في تطاوين لطفي نقّض يوم 18 أكتوبر 2012 ثم محاولة اقتحام المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر 2012 ثم اغتيال الشهيد شكري بلعيد، زعيم يساري ومؤسس تحالف الجبهة الشعبية، صباح 6 فيفري 2013 واغتيال الشهيد محمد البراهمي، نائب في المجلس التاسيسي ومؤسس حزب التيار الشعبي في جويلية 2013 بعد استقالته من حركة الشعب، يوم عيد الجمهورية (25 جويلية 2013). ولم يتوقف هذا السيل الهادر من العنف والتشنج عند هذه الساحات. بل استثمرت الحركات الإرهابية في هذا المناخ. وسقط شهداء من الامن والجيش في عمليات إرهابية غادرة. هذا التشنّج ومنطق خطاب الكراهية والعنف عاد اليوم ليطلّ برأسه من جديد في تونس. وأصبحت الميديا الاجتماعية مجاله الأول في عملية التجييش وبث الفتنة. امر لم يخف على التونسيين فالكثيرون عبروا عن مخاوفهم من تنامي هذا التيّار الذي سيقود البلاد الى غير الاتجاه الصحيح. ولعلّ حديث الممثل والمخرج نصر الدين السهيلي عن تشكّل جيش احمر في محيط الرئيس قيس سعيّد أبرز المخاوف المعلنة تجاه تنامي خطاب الكراهية. واوضح السهيلي ان الثورة الثقافية التي لا تقوم على الفكرة والمعارف لا يمكنها سوى ان تعيد سيناريو الجيش الأحمر الذي تشكّل في محيط زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ والذي أراد إشعال الثورة الثقافية الكبرى بهدف سحق المعارضة. فقام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ليخدموا كحرس أحمر. ولكنهم سببوا الفوضى في البلاد دافعين الصين الى حافة حرب أهلية ضارية. خطاب عدواني زاحف من جهته نشر الكاتب التونسي الحبيب الأسود نصا تحت عنوان "تونس امام خطر خطاب الكراهية الزاحف" قال فيه إنه "لا شك ان خطاب الكراهية يجد الكثير ممن يركبون صهوته لاعتبارات عدة اغلبها ثقافي او جهوي. وهو مرتبط بالتيارات اليمينية التي تحاول اليوم ان تتصدر المشهد في تونس في ظل تراجع أداء اليسار التقليدي وتشتت القوى الوسطية الحداثية التي كانت تعتبر نفسها المؤتمنة على ثوابت دول الاستقلال". ووصف الكاتب الخطاب الذي بدا يتنامى في المشهد العام التونسي ب"العدواني" مشيرا الى انه لا يعبّر سوى عن عقلية إقصائية ضد كل من يختلف مع أصحابه من منطلق الرغبة في الانفراد بالحكم والسلطة والثروة والنفوذ". وهذا ما يبدو واضحا في ملامح المرحلة المقبلة بعد تمكّن القوى اليمينية والشعبوية من الوصول الى البرلمان. كما اعتبر الكاتب ان تونس تواجه فرضيات لم تكن مطروحة قبل أشهر واخطرها فرضية ان تدخل الدولة مرحلة التصدع من الداخل بواسطة "من ينطلقون من وهم إعادة تشكيلها وفق مشروعهم الذي يعدون به" على حد قوله. وتعدّ الميديا الاجتماعية فاعلا رئيسيا في بث خطابات الكراهية والحقد خاصة أنها مجال ينشط فيه اشخاص مجهولون يسهل تسترهم خلف حسابات مجهولة لبث الاخبار الزائفة والتجييش. ولئن فُتِح في الديمقراطيات العريقة نقاش عام حول مخاطر الميديا الاجتماعية على الديمقراطية-خاصة إثر فضيحة شركة كامبريدج انالتيكا البريطانية والتلاعب بالمعطيات الشخصية ل50 مليون مستخدم امريكي للفايسبوك للتأثير عليهم وتوجيههم في الانتخابات- وكذلك فتح حوار جدّي مع مؤسسه مارك زوكربيرغ لحماية ديمقراطيتها من التهديدات من ذلك مساءلة مجلس الشيوخ الأمريكي لزوكربيرغ وحديث الأخير في البرلمان الأوروبي ووضع قوانين تضمن الكشف عن أصحاب الحسابات الوهمية التي تنشر الاخبار الزائفة إلا اننا في تونس نفتقد الى مثل هذا النقاش الجدّي. حيث ما تزال ديمقراطيتنا وليدة. وحيث تعيش هذه التجربة تحت محاولات التأثير الإقليمية والدولية. وحيث تعاني هذه الديمقراطية الوليدة من تهديدات هزت عرش اعرق الديمقراطيات. والطريف ان خطاب الكراهيّة يمرّ امام انظار الفاعلين في رئاسة الجمهورية (الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية) دون أي محاولة للتصدّي له. بل يُسمح لذلك الخطاب بالنشر والرواج. صلاح الدين الجورشي (محلل سياسي) خطاب الكراهية بداية للعنف وتقسيم التونسيين تونس/الشروق حاورته أسماء سحبون ما هو منطقي هو أن تكون الأجواء العامة ما بعد تنظيم الانتخابات هادئة. ولكن ما يحصل اليوم في تونس يبدو العكس. إذ يتزايد خطاب الكراهية وتبدو الاجواء متوترة ومشحونة كيف نفهم هذا "الاستثناء" التونسي؟ نعم هناك حالة من التوتر فمن يتبنون خطاب الكراهية يعتمدون على عدم وجود رؤيا واضحة لمستقبل التحولات السياسية والاجتماعية للبلاد. وبالتالي إن لاحت ازمة في الأفق تستغل هذه الأطراف الوضع لتصعّد من خطابها إمّا بترويج أخبار زائفة او بتضخيم الخلاف بين الأطراف حول الحكم أو هي أيضا تريد التأكيد أن إمكانية التعايش أصبحت مستحيلة. وهي تدعو الى الحسم الا ان الجميع على قناعة بأن الحسم لا يكون سوى عبر صندوق الاقتراع وليس خارجه. وهذا أمر مسلم به من قبل الأطراف التي هي في حالة سباق. من هي هذه الأطراف؟ انا أيضا أدعو الى البحث عنها. ففي الفايسبوك هناك بعض الاختراقات وهناك أخبار وتصريحات تنسب لاشخاص لم يصرّحوا بها علنا. وبالتالي هناك نيّة من هذه الأطراف للهيمنة على بعض الأشخاص الذين لهم توجهات صحيح نقدية ولكنها لم تصل الى مرحلة اعلان الحرب على الاخر. في اعتقادي يجب اعلان الحرب على خطاب الكراهية والتصدي له فهو لا يؤدي الى التحول نحو الأفضل. بل هو بداية عنف وتقسيم للتونسيين بناء على منطق هذا احبه وهذا أكرهه. الامر موجه الى الإعلاميين والسياسيين الذين سنستمع اليهم قريبا في البرلمان والى النخب والقامات التي لها راي كل هؤلاء مطلوب منهم التصدّي لخطاب الكراهية والتضامن ضد هذا المناخ وهذا الخطاب.