عاد ملف عودة الارهابيين من بؤر التوتر الى بلدانهم الأصلية بقوّة الى الواجهة، وذلك مع إعلان أنقرة أمس عن بدء ترحيل أول ارهابي من أصل أمريكي، في وقت تبدي فيه كل الدول المعنية قلقها وخوفها الكبير من هذا الأمر. الأوربيون وهم المعنيون في المرحلة الأولى من الاجراء التركي، سارعوا الى التعبير عن قلقهم وخوفهم رغم امكاناتهم الأمنية والمادية وبرامج تأهيل المتطرفين وإدماجهم مجددا في الحياة الاجتماعية لديهم. الحكومات الغربية تعتبر أن تركيا تستخدم سجناء "داعش" المأسورين شمالي سوريا كورقة لابتزاز أوروبا التي تعلم أن عودة الإرهابيين إليها، خطر على أمنها القومي، لاسيما أنها تعرضت لهجمات إرهابية عدة. وتعتبر أيضا أن تركيا دأبت على التلويح بإعادة المعتقلين "الدواعش" كلما ساءت العلاقة مع العواصم الغربية، وهذا ما حصل، مؤخرا، بعدما أدانت الدول الأوروبية العدوان التركي على شمال شرقي سوريا. وترى أن أنقرة التي سهلت عبور الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا، عن طريق الحدود المشتركة، بعد الأحداث التي تلت سنة 2011، تصور نفسها، اليوم، بمثابة ضحية للإرهابيين، وتطالب الدول الأصلية بتحمّل دواعشهم ومسؤولياتهم. وبعيدا عن السجال التركي الاوروبي الذي يخفي وراءه معركة من وراء الستار، فإن ملف عودة الارهابيين الى بلدانهم الاصلية هو مأزق حقيقي وصداع في الرأس وتحد أمني كبير لكل الدول. والملاحظ هنا من الاجراء التركي أو ربما التساؤل الملح، هو كيف لدول وضعها الداخلي هش أن تتصرف حيال هذا الأمر؟ ولعلّ أبرز هذه الدول هي التي تقع شمال افريقيا. الكل يعرف أن منطقة شمال افريقيا تمر بوضع أمني وسياسي صعب، ودولها لازالت تعاني احداها من حرب مستعرة مجهولة النهاية وأخرى من فراغ سياسي معقّد بينما تعيش الأخرى مرحلة انتقال ديمقراطي هش رغم المسار الناجح الى حد الآن. وعودة الارهابيين من بؤر التوتر في هذا التوقيت بالذات ستكون بمثابة القنبلة الموقوتة لهذه الدول ،خاصة في ظل الوضع الراهن كما ذكر سابقا، وأيضا في ظل عدم وجود مقاربة أمنية واجتماعية لهذا الملف الشائك. هذا الملف الذي يبدو أنه أولوية مطلقة في ما يتعلّق بالأمن القومي واستقرار الدول ويجب أن تتجنّد له الحكومات بكل الوسائل لوضع مقاربة على الأقل وقتية تتماشى مع الوضع الداخلي الهش. بينما عليها لاحقا ومع أول استقرار سياسي وأمني واقتصادي أن تعالج هذا الملف من جذوره عبر استراتيجية طويلة الأمد قد يطول جني ثمارها ولكن يكفي السّير فيها حتى يتحقق الأمن والاستقرار للأجيال القادمة. ولا شك أن هذه الوصفة السّحرية لمعالجة الفكر المتطرف تتداخل فيها عديد المؤسسات منها التربوية والدينية والثقافية، لتجنيب الأجيال الصاعدة من الارتماء في أحضان العنف كخيار للانتقام والتعبير عن الذات. اليوم بات جليّا أن المعركة مع الارهاب أصبحت معركة كبرى ووجودية، فإما الدولة المدنية الديمقراطية أو الفوضى والخراب والدمار، وعلى ساسة الدول تحديدا أن يختاروا بين الأمرين.