بَعد تجربته الأخيرة مع الشبيبة لازم مراد العقبي الصّمت تقديرا للجماهير العريضة للجمعية وإنقاذا لهيبة قيروان المنصف وادة وخميّس العبيدي وعزيز ميلاد...وغيرهم من ال»كوارجية» والمُسيّرين الذين شرّفوا «المَريول» وهو ثقيل ولا يُقدّر بثمن لمن يعرف التاريخ الكَبير لفريق الأغالبة. «الشروق» قطعت صِيام العقبي عن الكلام وخاضت معه في العديد من المَواضيع التي تَهمّ الكرة التونسية مع التعريج طبعا على الأوضاع الراهنة في القيروان وهي مهد ضيفنا الذي لا أحد يُنكر بصمته كمدافع أنيق وكمدرب مُتألق مع أكثر من فريق. هذا فضلا عن الصّورة المُحترمة التي تركها في الأذهان عند اشتغاله ضمن الإطار الفني للمُنتخب. نستهلّ الحوار بحدث السّاعة وهو الانسحاب المُرّ للترجي من الكأس العربية. فكيف تقرأ هذه الخيبة الدولية؟ لا جدال في أن وقوع الترجي الرياضي في «مصيدة» أولمبيك آسفي يُشكّل ضربة مُوجعة لجماهير الفريق وللكرة التونسية عُموما خاصّة أن أبناء الشعباني هم مُمثّلنا الوحيد في هذه المسابقة الاقليمية. ولا اختلاف في أن هذا الإخفاق يبعث على الأسف بالنّظر إلى الثِقل التاريخي والكُروي للترجي فضلا عن الامتيازات المالية الضّخمة التي كان سيغنمها الفريق عند حُصوله على اللّقب العربي. الصّدمة شديدة لكنّها لن تُربك الترجي الذي تعرف جماهيره في قرارة نفسها أنه لا يُمكن كسب كل التحديات ولابدّ من حدوث بعض الهزّات. ومن المعروف أن الترجي تحصّل على «الشومبيانزليغ» في مُناسبتين مُتتاليتين وهو مكسب كبير وتحقّق بالكثير من التضحيات. كما أن الفريق يلعب على كلّ الواجهات ومن الطبيعي أن يخسر بعض الرّهانات نتيجة كثرة المُباريات والمخلّفات السلبية للإرهاق. وبناءً عليه فإن انسحاب الترجي من الكأس العَربية يُعتبر مجرّد عثرة عابرة في مسيرة الفريق الذي لا نَنسى بأنه في طور التجديد ولم يبلغ بعد ذروة قوّته. خروج الترجي من المُسابقة العَربية كان مسبوقا بفوزين رائعين للمُنتخب في التصفيات الافريقية. فكيف تنظر إلى هذه البِداية الجيّدة مع المنذر كبيّر؟ ترك المنتخب الوطني انطباعات جيّدة على هامش المقابلتين الأخيرتين ضدّ ليبيا وغينيا الاستوائية في نطاق التصفيات المُؤهلة ل «الكَان». فقد انتصر فريقنا على الأشقاء اللّيبيين برُباعية كاملة وهو مكسب مُهمّ من الناحيتين الرياضية والمعنوية خاصّة إذا عرفنا أن تونس عادة ما تُواجه الكثير من الصّعوبات و»الغَصرات» في مثل هذه ال»دِربيات» المَغاربية. ولم يكن من السّهل أيضا الفوز على غينيا الاستوائية في ملعبها وأمام جماهيرها. وقد كان التّحدي أكبر في ظل رغبة أبنائنا في «الثأر» من هذا المُنافس الذي انسحبنا أمامه في «كَان» 2015 وفي ظروف قَاهرة (انحاز التحكيم آنذاك للغينيين). وبالتوازي مع أهميّة الفوز في الجولتين الأوليين من التصفيات القارية سجّلنا أداءً جيّدا لعدّة عناصر. فقد نجح أيمن عبد النور في أوّل امتحان له بعد العودة من بعيد إلى أجواء المنتخب. ولاحظنا أيضا أن القائد يوسف المساكني كان في مستوى التطلّعات. ولم يُخيّب سيف الدين الخاوي بدوره الآمال المَعقودة عليه حيث أنه سجّل هدفين في شباك ليبيا مُؤكدا أنه يستحق التواجد في تشكيلة الفريق الوطني الذي آمن بقدراته ومنحه الكثير من الوقت ليُثبت مُؤهلاته. هل من مُلاحظات حول تَوجّهات الإطار الفني بقيادة المنذر كبيّر وعادل السليمي؟ اتّسمت الخَيارات التكتيكية للمذر كبيّر بالمُرونة. وشاهدنا أن الفريق الوطني ينجح في الانتقال من خطّة إلى أخرى بشكل سَهل (4 / 3 / 3 وأحيانا 4 / 4 / 2). ولاحظنا كذلك قيام عَناصر الهُجوم بتبادل مراكزها بطريقة جيّدة وفَعّالة. كما أن فريقنا حاول قدر المُستطاع الاستحواذ على الكرة والتدرّج بها من الخلف إلى الأمام بطريقة سليمة وسَريعة. الانطلاقة القويّة للمنتخب في تصفيات ال»كَان» لم تحجب الثغرات فأين تكمن مَواطن الخَلل؟ لقد استهلّ المنتخب تصفيات كأس افريقيا بفوزين مُهمّين لكن لا يَنبغي أبدا أن نغفل عن جُملة النقائص التي وجب مُعالجتها. ومن الضروري التذكير بأن منتخبنا انتصر على منافسين عَاديين حتى لا نقول إنهما من الصّنف الثاني. ولا يُمكن بأن حال من الأحوال أن نجعل الإنتصار على ليبيا وغينيا الإستوائية مَرجعا لتحديد قوّتنا الحقيقية. ويفرض المنطق أن نستثمر هذه البداية المِثالية لإجراء التحسينات اللاّزمة حتى نستطيع كسب الإختبارات القوية. وقد اشتغلتُ في المنتخب وخَبرتُ جيّدا أن المُنافسين درجات وهُناك فرق شَاسع بين المنافسات القارية واللّعب في المستويات العالية مثل لقاءات المُونديال. وبالحديث عن النقائص نُشير إلى وجود بعض المَظاهر السلبية على غرار الأخطاء المُرتكبة في الدفاع. وأعتقد أن مُؤهّلات مرياح فوق الشك لكنّه وقع في فخّ الغرور ما جعله يرتكب بعض الهفوات الفادحة على هامش لقاء ليبيا. ومن الضروري أن يتفادى مستقبلا مثل هذه الأخطاء الناجمة عن الثقة المُفرطة. بعد استعادة أيمن عبد النور هُناك مساع لإسترجاع صيام بن يوسف. فهل أنك من المُرحّبين بمثل هذه التعزيزات؟ أعتقد أن المنتخب قادر على تأمين دفاعه في ظل وجود ياسين مرياح وأيمن عبد النور وديلان برون الذي من المفروض أن يطوي خلافه مع الإطار الفني ويُواصل مسيرته مع الفريق الوطني. أمّا بالنسبة إلى صِيام فإنه أعطى الكثير للفريق الوطني وأعلن عن اعتزاله اللّعب الدولي. وبناءً عليه فإنّني غير مُتحمّس لقرار عودته ويبقى القرار طبعا بيد الإطار الفني بحكم أنّه الأدرى بحاجات المُنتخب ومُتطلّبات المرحلة. بَعيدا عن المنتخب ما هي قراءتك لواقع البطولة التونسية؟ هُناك جانب مُظلم وآخر يبعث على التفاؤل. وتكمن النقاط الداكنة في المشاكل الإدارية والمالية التي تُواجهها جلّ الأندية. هذا فضلا عن فضيحة المنشآت الرياضية. وقد تحوّلت أزمة الملاعب إلى «كابوس» يومي ولا خيار أمام الجمعيات سوى التعايش معه في انتظار أن تتدخّل السّلطات المَعنية وتُعالج الملف بالجِدية اللاّزمة. أمّا بالنّسبة إلى الجانب المُشرق في بطولتنا فإنّه يَتمثّل التنافس الكبير بين الأندية المُتواجدة في المُقدّمة مِثل المنستير وصفاقس والترجي والإفريقي... من موقعك كمدرّب ما هي الإطارات الفنية التي لفتت انتباهك؟ حقّق لسعد الشابي الامتياز مع الاتحاد المنستيري. وقد استفاد الشابي كثيرا من جودة الزاد البشري المُتوفر بحوزته فضلا عن الإشتغال في ظروف طيّبة خاصّة في ظل اجتهادات الهيئة المُديرة بقيادة أحمد البلي والتفاف الجماهير حول ناديها. وبالتوازي مع الشابي لاحظنا البصمة الواضحة لجلال القادري في بارود. وشهدنا أيضا نجاح لسعد الدريدي في النادي الإفريقي. والحقيقة أنه لم يكن من الهيّن أن يُراكم الدريدي كلّ تلك الإنتصارات في خِضمّ الأزمة التاريخية التي يعيشها نادي «باب الجديد». وكيف تَنظر إلى وضع الشبيبة؟ الشبيبة جُزء مني وأدين لها بالكثير وهو ما جعلني لا أتأخّر في تحمّل مسؤولية تدريبها في الفترة الأخيرة رغم يقيني بأن هذه التّجربة عبارة عن قفزة نحو المجهول. ويعرف القاصي والداني أن الجمعية تتخبّط في بحر من المشاكل الإدارية والمالية. ورغم أن الظروف كانت قاسية. فقد بادرت بقيادة الفريق وأعلمت أهل الدار في الوقت نفسه بأن المدرب مهما كانت خِبراته و»عبقريته» لن يستطيع العُبور بالنادي إلى برّ الأمان ما لم تَتوفّر الحدود الدنيا من مُقوّمات النجاح. الأزمة كانت عميقة وأجبرتنا على القيام بإنتدابات مُتواضعة ولا ترتقي صراحة إلى المستوى المأمول. وقد اجتهدنا قدر المُستطاع لنَقهر الظروف ونُحقّق المطلوب غير أن النتائج كانت سلبية رغم أن المُتأمّل في الأداء سيشهد منذ اللّحظة الأولى بقيمة العمل المُنجز. وبما أن الأمور كانت خارج السّيطرة فقد قدّمت استقالتي من منصبي ليقيني الراسخ بأنّنا نسير في طريق مسدود وقد يكون من الأفضل أن أغادر الفريق لعلّ رحيلي يُحدث رجّة ما في صفوف المسؤولين ويدفعهم لتغيير الأوضاع. وقد لازمت الصّمت بعد خروجي من الفريق لأنّني واحد من أبنائه الغيورين على مصالحه وتاريخه الكبير. كما أنّني حاولت عدم الظهور في وسائل الإعلام حتى لا تَتعمّق الجراح ويَرتبك الإطار الفني الذي تولّى خِلافتي. أيّ سبيل لإنقاذ هذا الصِّرح الرياضي الكبير من الضّياع؟ الإصلاح يبدأ بتنقية الأجواء وتصفية القلوب. إذ لا يخفى على أحد أن المُحيط العام للجمعية يشهد الكثير من التوتّرات والمُشاحنات. ومن الضروري أن يقف الأحباء الأوفياء خلف جمعيتهم ويُغلقوا الباب في وجه كلّ من يُحاول «التشويش» على الفريق والتهجّم على المدربين والمسؤولين بطريقة غير مفهومة. مع العلم أن الشبيبة مازالت قادرة على صِناعة المواهب وقد ساهمت شخصيا في تسوية عقود عدة شبان واعدين تَتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاما. ولاشك في أنهم سيشكّلون المستقبل الحقيقي للجمعية إذا توفّر طبعا التأطير اللازم. هل نَدمت على بعض التجارب التدريبية؟ لقد عِشت العديد من المغامرات المُتميّزة سواء مع الجمعيات أوفي صفوف المنتخب الذي خُضت معه التصفيات الإفريقية ونهائيات مُونديال روسيا 2018. وعشت كذلك بعض التجارب الصّعبة مِثل كلّ الفنيين. ولن أقول إنّني نَدمت على بعض تجاربي التدريبية لكن أعترف بأنني أسأت أحيانا اختيار التوقيت المُناسب لقيادة جمعية ما. وقد حدث هذا الأمر في المُغامرتين الأخيرتين مع «الستيدة» والشبيبة. وقد مرّ الفريقان بظروف مُعقّدة ولم يكن بوسع أيّ مدرب أن يُخرجهما من أزمتيهما. في سياق الحديث عن العَلاقات والتَعاقدات بين المدربين والجمعيات ما هو موقفك من الشكاوى القضائية التي يتقدّم بها الفنيون واللاعبون للحُصول على مُستحقاتهم المالية كما حصل بالأمس بين «السي .آس .آس» والمرزوقي؟ هذه القضية لا تحتاج إلى الكثير من الإجتهاد بما أن المدرب أواللاعب بمُقابل مالي معلوم ومن حقّه المطالبة بمُستحقاته بالطّرق الودية وإن فشل في ذلك فإنه لا خيار أمامه سوى اللّجوء إلى المَحاكم الرياضية المَعنية بمثل هذه النِزاعات. وأعتقد أن التقاضي تصرّف عادي وسلوك حضاري ولا مجال لإتّهام الفنيين واللاعبين ب»الخِيانة» لمُجرّد مُطالبتهم بحقوقهم المالية. مراد العقبي في سطور مدافع دولي سابق درب عدّة أندية تونسية مثل القيروانوالمنستير والملعب القابسي خاض جُملة من التجارب التدريبية في الخليج قاد «الستيدة» إلى «فِينال» الكأس عام 2015 اشتغل كمساعد في المنتخب الوطني الأوّل (المشاركة في مُونديال روسيا 2018 مع نبيل معلول / الترشّح إلى «كان» 2019)