مرة أخرى تستفيق هذه البلاد على كارثة ومصاب جلل، خلّف حزنا و لوعة أحسّهما كامل الوطن، وهي حادثة تضاف الى مأساة سابقة لم تلملم جراحها بعد ولم يكشف عن أسرارها واسبابها ولم يحاسب أصحابها. 26 روحا في عمر الزهور رحلت الى الرفيق الأعلى في رحلة كانت من المفروض أن تكون رحلة حياة وفرح وهروب من وضع قاتم وإذا بها تتحوّل اكثر قتامة من الوضع الراهن وتصبح مأساة حقيقية. مأساة تحيل الى مأساة أخرى أكثر وجعا وألما بما أن هذا البلد لا يستفيق ولا يرى إلا عندما تحدث الكارثة فيرتفع منسوب العويل والتنديد والوطنية المفرطة لأيام قليلة فقط ثم تعود حليمة الى عادتها القديمة. بعيدا عن كل ما يحيط بهذه الحادثة الأليمة من وضع الحافلة المهترئ الى «طريق الموت» وغيرها من الاسباب الأخرى، فإن السؤال المؤلم والأكثر الحاحا هو كيف لمنطقة تمثل «سلة غذاء» البلاد ومطمورها الحقيقي أن تظلّ مهمّشة إلى هذا الحد وبهذا الشكل؟. الشمال الغربي وككل الولايات الداخلية، منطقة معزولة، لا طرقات جيّدة ولا مستشفيات جامعية ولا جامعات متطورة ولا بنى تحتية ولا مشاريع تنموية ولا مناطق ترفيهية رغم ما تحتويه من جمال، فقط العدم وما تيسّر من مائدة الدولة من الاستقلال الى الآن. حادثة أول أمس المؤلمة كان يمكن لها أن تكون حادثة قضاء وقدر بعيدا عن الاسباب والمسببات المحيطة بها، وبالتالي يظلّ موضوع انقاذ وعلاج المصابين بالسرعة الكافية في أقرب مكان مخصّص ومجهّز هو محور الموضوع. كم خسرنا من نفس بشرية أول أمس بسبب المسافة الشاقّة من مكان الحادث الى مشافي العاصمة التي هي بدورها في حالة يرثى لها وغير مجهّزة تجهيزا كاملا وفي حاجة للإنعاش؟ هل علينا أن نخسر أكثر حتى نلتفت لقطاع أو لمكان ما ونبدأ في التكفير عن ذنوبنا بقرارات مرتجلة ترقيعية تطمس معالم الجريمة ثم نمر كعادتنا لمأساة جديدة دون اي استراتيجية واضحة أو اصلاح حقيقي؟ لكن السؤال الأغرب، لماذا مع كل حادثة أليمة نترك عملية البدْء في اصلاح حقيقي جذري لا يستثني أي منطقة أو جهة من مستشفيات وبنية تحتية ومشاريع تنموية، ونعود الى صراع تاريخي جهوي بيزنطي؟ وضع هذه البلاد عسير وإن بدرجات متفاوتة، لذلك علينا أولا أن نتصالح مع أنفسنا ومع تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا ونؤسس أرضية جديدة للتقدّم ونتجاوز خلافاتنا وأحقادنا ونعمل على بناء وطن موحّد لا فرق فيه بين جميع ابناء الوطن ومناطقهم. الآن ونحن على أبواب تشكيل حكومة جديدة، ليضع كل الساسة والمسؤولين أمام أعينهم هذه المأساة وما سبقها، وليتحملوا كل مسؤولياتهم ويرأفوا بهذا الوطن ويخرجوه من كل هذا العبث. هذا الوطن ليس مقبرة كما يحلو للمتشائمين تسميته رغم كل المأساة، هذا الوطن لا يمكن أن يسقط أكثر من ذلك و سينهض من الرماد كطائر الفينيق، بالأمل والعمل والاصلاح الحقيقي والتضحيات وخاصة بالإرادة الحقيقية الصادقة.