تناولنا في الأسبوع الماضي في خضم محاولة طرح الجندرة في الحقل الديبلوماسي ما يمكن أن تضيفه المرأة بشكل خاص في هذه اللحظة التاريخية العربية الدقيقة حيث إنّ تزايد عدد النساء السفيرات في العالم بشكل عام فسره المهتمون بهذه المسألة بأن الجندرة في مجال الديبلوماسية قد أضحت من بين أولويات القرن الحادي والعشرين. ويبدو لنا أن بداية التراكم الكمي لعدد السفيرات العربيات يندرج ضمن هذا الأفق العالمي – كما حاولنا إبراز ذلك في الجزء الأول من هذا المقال - باعتبار أن قيم المواطنة والتحديث قد هبت بوتيرات مختلفة ولكنّها شملت العالم بأرجائه المختلفة والمتفاوتة. ذلك أن رهان البلدان العربية منذ تواريخ الاستقلالات على التعليم ونضال الحركات الإصلاحية التحريرية على تعليم البنت العربية المسلمة منذ عقود طويلة قد بدأ يعطيان أكلهما بشكل مزهر خصوصا أن تحسن واقع المرأة العربية على أكثر من صعيد هو في حد ذاته علامة إيجابية على مسار التغيير الثقافي في البلدان العربية. أيضا نوعيا أثبتت المرأة العربية جدارة وكفاءة ويكفي النظر في السير الذاتية لنسائنا السفيرات حتى نشعر بالفخر وباستحقاقهن لمثل هذه المناصب المرموقة والمهمة. وإذا كان تعيين نساء في البرلمانات أو منحهن حقائب وزارية قد يتم أحيانا تحت ضغط الانتماء الحزبي السياسي وأحيانا يستجيب لتوجه المحاصصة الذي اختارته بعض البلدان للتشجيع على مشاركة المرأة في الحياة السياسية فإن الديبلوماسية ظلت نسبيا رهينة اكتساب كفايات خاصة وهذا يزيد في تثمين جندرة الديبلوماسية العربية بحكم غلبة عامل الكفاءة أولا وأخيرا. لنأتي الآن إلى الرسالة التي نرسلها للعالم عندما نراهن على النساء كرئيسات بعثات ديبلوماسية وهي نقطة مهمة جدا في اللحظة الحضارية الثقافية الملتبسة التي يعرفها الفضاء العربي والإسلامي بشكل عام. ذلك أن مجرد وجود امرأة سفيرة في عواصم كبيرة هو في حد ذاته رسالة تمحو الكثير من الأفكار المسبقة وتغير ولو جزئيا أفكار الأوروبيين عنا. ونعتقد أن نساءنا السفيرات دون استثناء هن وجه العالم العربي والجزء الجميل من حقيقته التي أساء إليها الظلاميون. كما أن نساؤنا السفيرات هن دليل صارخ على أننا بصدد التغيير والتقدم وأن هناك تنمية وثمرات في ربوع العالم العربي وأننا أيضا في تفاعل مع قيم التحديث والمواطنة ونؤمن مثل غيرنا بالمساواة بين الجنسين وبكفاءة المرأة. وكل هذه الرسائل كي تصل إلى أكثر ما يمكن من حاملي الأفكار المسبقة لا بد من نشاط ديبلوماسي كبير ومن تأطير إعلامي يجيد إبرازه. إنّ الغرض من طرح موضوع الجندرة في الحقل الديبلوماسي ليس الدفاع عن أطروحة نسوية ضيقة بقدر ما نقصد لفت الانتباه إلى أن للمرأة تماما كما الرجل كفاءة لخوض هذا المجال ولأنها في مرحلة تاريخية من إثبات الذات فإنها ستبذل جهدا مخصوصا تستفيد منه بلداننا التي تعاني هيمنة ذكورية وتحرم نفسها من كفاءة المرأة الديبلوماسية.