لا يمكن التعاطي مع إلغاء إضراب الاتحاد بمنطق الغالب والمغلوب، وإذا كان لا بد من تحديد غالب فإنها تونس بكل أطيافها ومكوناتها، فهي منتصرة ومستفيدة على كل الواجهات. فالاتفاق على إلغاء الإضراب لا يعني غير انتصار الحوار وتغليب مصلحة البلاد العليا، التي يجب على كل طرف الانحناء أمامها ، وهو صفعة لدعاة التصعيد و الحسابات الضيقة ، وأيضا أولى مقومات نهج التوافق وقبول الآخر باختلافاته .
وأحسب أن الكثيرين كانوا متخوفين من تنفيذ الإضراب ، ليس فقط بالمنطق الحسابي من حيث نسب النجاح والفشل، بل من إمكانية اشتعال نار العنف و الفتنة ومن توسع «حمالة الحطب» مع ما يعنيه ذلك من انهيار ما تبقى من استقرار ومن وأد للانتقال الديمقراطي المنشود وبالتالي لمؤسسات الدولة، وهو خطر يفوق بكثير ضياع المليارات وملايين أيام العمل.
ورب ضارة نافعة كما يقال، فقد يكون التصعيد الأخير الذي انتهى باتفاق، فرصة جديدة يتوجب على الفرقاء السياسيين التقاطها واستخلاص دروسها في اتجاه تحكيم العقل والنأي عن التشنج والانفعال وعدم السقوط في الاستفزازات والاستعداد «للتناطح» و التصادم وإبراز حجة القوة قبل قوة الحجة.
الاتحاد استفاد مما حدث، فهو استعمل حقا دستوريا للدفاع عن مقراته التي استبيحت أكثر من مرة، وهو كذلك عرف وزنه وطنيا ودوليا من خلال حجم التضامن والمساندة الذي لقيه، إضافة إلى أنه أكد أنه من دعاة الحوار الجدي والحريص على مصلحة البلاد واستقرارها وليس عنصر تهديد لأي طرف.
والحكومة استفادت أيضا اذ نجحت في إدارة الخلاف ومنع الأخطر وتجنيب البلاد الدخول في نفق قد لا يقدر الكثير من المغالين حقيقة حجمه، وهي في النهاية حافظت على وحدة التونسيين ولم تغلب طرفا على آخر.
ويمكن القول إن هذا الاتفاق يمثل تحصينا حقيقيا للثورة وللانتقال الديمقراطي وتحسينا لصورة تونس التي ألحقت بها الأحداث الأخيرة ضررا كبيرا، وبالتالي دفعا قويا لوضع أجندا توافقية للمرحلة القادمة.