كثيرون أعملوا الفكر وحبّروا المقالات محاولين التفسير والتبرير لما حصل في ما سمي دول «الربيع العربي».. الإسلاميون اعتبروا وصولهم إلى الحكم تتويجا لنضالات طويلة وتضحيات جسيمة وما حصلوا عليه غنيمة «جهاد».. وبعضهم رآها مقدمة لعودة الخلافة الإسلامية بعد مضي قرن على موتها ( الخلافة العثمانية).. كثيرون رأوا وصول الإسلاميين نتيجة منطقية لتجذر الدين الحنيف في مجتمعاتنا وليس اقتناعا بحزب معين.. ورأوا فيهم خشبة إنقاذ من كفر وقهر.. بعضهم لم يستبعد «المؤامرة الخارجية» هدفها توريط الإسلاميين في السلطة بهدف إثبات عجزهم وفشلهم في تدبير شؤون الحكم وإدخالهم في صدام داخلي من جهة ومع القوى السياسية المناهضة من جهة أخرى.. ولكل حججه ومؤيداته. ونترك التنظير والتبرير إلى الواقع ونتساءل ما هي النتائج بعد عام من الحكم النهضوي في تونس؟.. ومن دون تحامل نقول إن النهضة ربما اجتهدت في محاولة تحقيق المطالب لكنها أوقعت نفسها في عديد المطبّات التي فتحت الباب أمام مناوئيها لهدم جدارها.. فهي قد اغترت بما أسمته «شرعية» لاجدال فيها بحساب الأصوات لكن لا عصمة ولا كمال لها بحساب طبيعة المجتمع التونسي.. وهي لجأت إلى ما نهت عنه من حكم العائلة وتغليب مصلحة الحزب والتفكير في البقاء في السلطة وعدم قبول مبدإ التداول عليها.. واعتماد المكافأة في توزيع المسؤوليات والمناصب والمزايا على حساب الكفاءة.. من هنا وقعت بوضوح في ورطة عدم القدرة على إقامة تحالفات و حوارات بناءة مع القوى العلمانية و الليبرالية وربما أيضا في التغلب على تناقضاتها الداخلية.. باختصار أخذتهم إغراءات السلطة وهي العلّة التي فتكت بالكثيرين و أودت بمصداقية مشاريع أيديولوجية عتيدة.
وبجرد لحصاد عام يجب أن نعترف أن مسيرتنا نحو بناء الدولة بعد الثورة كانت عرجاء.. سواء في تحقيق المطالب الأساسية للجماهير أو في ظهور بوادر بناء حقيقية وسريعة للدولة الجديدة.. ودخلنا في متاهات برروها بفزّاعات.. من «عرقلة الثورة المضادة» الى «التعطيل المتعمد للعمل.. إلى خطر السلفيين ثم القاعدة».. الخ.. بالونات تطلق تافهة أحيانا لمحاولة تحويل الأنظار عن عجز في الأداء وبطء في الانجاز مضافا إليه الإيغال في صراعات حزبية على المكاسب.. باختصار هذه الحكومة لم تطعم الجماهير من جوع ولم تؤمنهم من خوف.. بل ان الأفق يزداد قتامة والوطن يكاد أن يعود الى ما عاش عليه منذ الاستقلال من حيث فرض الزعيم والعائلة وسيطرة الحزب الواحد..
لقد اعترفت السلطة بعد تلكؤ طويل ان هناك عجزا في إدارة دفة الحكم.. لكن يبدو أنها تسعى الى بالون جديد هو تحوير وزاري أبكى وأضحك.. ونحن لسنا في حاجة الى تحوير في المناصب بدا يتكالب عليها حتى من لم يصل عدد منخرطي حزبه الى العشرات.. ما نحن في حاجة إليه هو تغيير في السياسات والمقاربات.. الصدق في خدمة الوطن.. هو تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.. البعد عن الانتقام وتصفية الحسابات.. البحث عن الكفاءة التي تجعل حصاد البيدر موافقا لحسابات الحقل.. وإلا فالأفق مفتوح أمام احتمالات ليست وردية على الإطلاق.