قبل عامين ويومين قال الأول «أي نعم فهمتكم» وطار..وبقينا نتابع بإثارة التلفزات تتابع الطائرة المُعلقة بين السماء والأرض ...بدأ معنا وبنا، ثم آثر ان يكون لنفسه وأهله وأصهاره فخسرنا الى الأبد وشمتنا وهو يبحث عن مقرّ ومستقرّ. خرج الثاني الى شارع ليس فيه الا الصدى وآثار أقدام ثائرة ودموع ودماء ليصرخ : الطاغية»هرب» ...هرب ..أم هربوه ... الصورة مشوشة .المهم لم يعد . الثالث مسح على شيبات رأسه ليقول اننا هرمنا من اجل هذا اليوم ...وفي قولته ألف معنى ، أهمها أن ما حصل كان تتويجا لسجل طويل من إرهاصات الثورة وانتفاضات الكرامة ...والتاريخ سجل ولن يمحوه ادعاء من نفى، أو من انتقى ما فيه تثبيت لدوره وإنكار لدورغيره ..
وبين الفهم والأمل والوهم مضى عامان . ونمسح على شيباتنا ونتساءل : ماذا جنينا؟
ينبئ بالرّضا من عدمه ان «عيد الثورة» احتفل به من استفاد من سلطة، وغنم نفوذا، وثأر لماض، وينتظرالمزيد من الغنائم والعطايا.. هؤلاء دون سواهم من احتفلوا بطريقة خبروها جيدا عندما كان بعضهم يقرع الطبول ويطوف حول البخور 7 مرات في صباحات 7 نوفمبر ..
شعارات الثورة كانت (شغل .حرية.كرامة وطنية ) .أليس صحيحا ذلك؟ فأما الشغل فهو ساحة استعصت على الحاكم، وعزف المحكوم عن ولوج أطرافها ..والحصاد :عشرات آلاف «عاطل» بلا عمل ..وعشرات الآلاف من مواطن الشغل بلا عمّال...وأما الكرامة فمازلنا نبحث لها عن تعريف ولزعماء 15 جانفي فيها أقوال ولل«شرعية» فيها أفعال ...وأما الحرية ففاضت بها الوديان وجرفت مقولة كوْنية (حريتك تقف عند حدود حرية غيرك ) فغدونا نمارس كل «الحريات» من دون وجل ولا خجل.
أحلامنا وآمال أجيال كانت ولاتزال ان نخرج ببلدنا من مصاف سئمناه، وأن نرقى به الى الثّريّا... ولكن من خلال ما عشناه ونراه يبدو أننا ما زلنا اقرب إلى الثرى ...تركنا العمل الجاد - للوطن دون سواه – واقتتلنا على الكراسي والمغانم، ونفضنا الغبار عن خرافات لم تعد صالحة حتى لأشرطة مرئية، واستبدلنا استضافة العلماء باحتضان من يرى ان «العلم» النافع هو ما أشبع شهوتي البطن والفرج ..ويريدوننا ان ننسى او نتناسى ان الدين الحق هو العلم وان أجدادنا بلغوا الأوج عندما استقدموا العلماء من كل حدب وصوب لبيوت «حكمة» ،منها بدأت القوة ومنها تخرج أعلام ما زالت أسماؤهم عنوان منارات في عواصم العالم شرقها وغربها ...
قبل عامين نبتت فقاعات لم نعد نعرف فيها السليم من المسموم، وطلع البدر على من كان ينتظر ان «يفهم» الرجل حتى يُفهٍموا الشعب انهم خشبة الإنقاذ وطوق النجاة ...لكن ما حصدناه في عامين يجعلنا نقول ان عليهم ان يفهموا ان «فهمهم» إلى حد الآن لم يوافق فهمنا، واننا لم نمسح على شيباتنا من اجل هذا «الفهم».