لم تنجح الأطراف السياسية في تجسيم الوفاق الذي ظل يرفعه الجميع ، ليأتي مغلفا بإقصاء مبطّن لطرف أو أطراف ، أو متبوعا بشروط واملاءات الأغلبية على الأقلية، وليبقى وضع التأزّم يراوح مكانه رافضا الحلحلة والإصلاح، مهددا مسار الانتقال نحو الديمقراطية وجهود إقرار التنمية والاستقرار. في هذا المناخ جاء العقد الاجتماعي الذي أريد له أن يكون فضاء للحوار الاجتماعي ودافعا للاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وبالتالي للعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة المنتجة أو المكتسبة، لكن هذا الجنين الجديد استبقته لعنة الإقصاء ولعبة الكبار وأصحاب الأغلبية لتضرب حياد الدولة، التي كان من المفترض أن تحرص على دورها كحكم يعدل بين مكونات الساحة الاجتماعية ويفصل اختلافاتها وخلافاتها، إذ أصرت على عدم تشريك منظمات اجتماعية لها وجود قانوني وفعلي في الساحة، مثل اتحاد الفلاحين واتحاد عمال تونس والكنفدرالية العامة للشغل والكنفدرالية العامة لأصحاب المؤسسات وغيرها من المنظمات النقابية الخاصة بالأجراء أو أصحاب المهن والمؤسسات، رغم أنها لا تعادل في وزنها وإشعاعها الاتحادين التاريخيين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة و التجارة والصناعات التقليدية، اللذين مثلا مع اتحاد الفلاحين ثلاثي الارتكاز في المشهد الاجتماعي وضمنا فيه الاستقرار عبر الحوار و الوفاق.
وحتى إذا كانت للحكومة مبرراتها أو إنها خضعت لضغوطات من الطرفين الأكبرين، فان التهدئة التي تطالب بها و تحرص عليها تيسيرا لتحقيق وعودها وأهداف الثورة، لا يمكن أن تتم دون بقية الأطراف الاجتماعية الأخرى، التي قد تعكس الهجوم برد فعل لا يخدم هدف التهدئة والاستقرار، وهما أساس التنمية والتشغيل.
ورغم هذا الإقصاء أو التمييز فان أمام الحكومة وبقية الأطراف الاجتماعية فرصة لتشريك بقية الأطراف وتحميلها مسؤولية المشاركة في إقرار السلم الاجتماعية من خلال ملحق تعديلي للعقد قد يقوي الجبهة الاجتماعية وحظوظ الاستقرار والتحفيز على ترسيخ عقلية حب العمل و تقديسه.