يتواصل مناخ الضبابية في المشهد السياسي الوطني لينعكس سلبا على بقية القطاعات وعلى نفسيات المواطنين وليعرقل مساعي معالجة الملفات المستعصية، وهو مناخ ظلت البلاد تتخبط فيه من قرابة سبعة أشهر ويتعلق بكيفية إدارة الحكم وإيجاد حلول للأزمة الشاملة التي تردت فيها البلاد. هذا المناخ أصبح أكثر تعقيدا ومفتوحا على أخطر الاحتمالات منذ اغتيال الشهيد شكري بلعيد بإجماع كل اللاعبين السياسيين، الذين اجتمعوا على ضرورة التغيير وعلى إرادة التوحد أو التوافق واختلفوا على التفاصيل، وهو اختلاف قسّم التونسيين إلى فريقين أساسيين يتنازعان حول شكل الحكومة المرتقبة وما إذا ستكون حكومة كفاءات بلا انتماءات سياسية أم حكومة ممثلين عن أحزاب سياسية من التي تستند إلى شرعية انتخابية وغيرها.
الاختلاف لم يعد بين المجموعتين فقط بل تسرّب داخلهما بفعل ضغوط القواعد لتتحول الاتفاقات إلى وثائق مكتوبة ممضاة سلفا تلزم الحلفاء وترضي الأنصار وتعطي حصانة لكل طرف ضد التراجع عن المواقف والقرارات وتحافظ على الحسابات السياسية ونوايا التصويت في التأسيسي.
ولا شك أن الجلسة العامة الاستثنائية التي سيعقدها المجلس الوطني التأسيسي اليوم ستكون حاسمة لإنهاء الخلاف وخلق توافق غاب عن الفرقاء لأكثر من عام لتطغى الحسابات والتجاذبات السياسية وليخفت صوت العقل والحكمة، الذي يجب أن يعلو اليوم، حتى وان تطلب مسك العصا من الوسط قناعة من الجميع بأن الأهم ليس شكل الحكومة ومكونيها وأسمائهم وانتماءاتهم، بل الاتفاق بين كل الأطراف وبلا إقصاء على ضبط مواعيد الانتخابات القادمة وإنهاء صياغة الدستور وبعث المؤسسات الدستورية التي ستضمن إشاعة مناخ ملائم لتنظيم انتخابات ديمقراطية بمواصفات دولية وهي هيئات الانتخابات والقضاء والإعلام، والالتزام بإسناد الحكومة الجديدة وتجنيبها كل المعوقات والمطبات حتى لا تضطر الى الاكتفاء بدور «رجل الإطفاء» وحل المشاكل اليومية عوض الانكباب على معالجة الأزمات وإرسال التطمينات إلى الرأي العام الداخلي والخارجي حول سلامة المسار.
فهل يجتمع الفرقاء ، يوم عيد الحب، ويغلبوا المصلحة الوطنية ويحصنوا ثورتهم ضد كل انتكاس؟ يبقى الأمل واردا في وطنية التونسيين ورجاحة العقل لديهم.