أقول «فصل»لأنه أصبح واضحا ومنذ رفع الستار أننا نعيش «تراجيكوميديا» سياسية بكل ما تحمله التراجيديا المضحكة من معان و(شر البلية ما يضحك)... » الأبطال هم هم ، ساسة او هكذا وصفوا أنفسهم ومنظمات مجتمع قيل انه مدني وقوى «ثورية» معظم من استقووا فيها بقانون هم ممن ثاروا على الثورة لحمايتها وكراديس فكرها مستورد وأسلحتها كذلك وقبضاتها محلية وصفت بالسلفية وكأنما كنا نعبد اسلاما لم يأت به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم او أنكرنا وجود الصحابة والتابعين.. فصول تتالت.. من قوانين الشريعة الى الهجمات «السلفية» الى الاغتيال السياسي الى حكومة كفاءات الى الاستقالة من رئاسة حكومة في انتظار «التفكير في انتخابات الرئاسة.. الفصل الجديد هو «تحييد» وزارات السيادة.. ومن مضحكاته أن من كان يدعو لذلك بالأمس أصبح ضده لمجرد الايحاء له بأنه ربما يصبح وزيرا «للسيادة» وحزبيته تمنعه من ذلك.. وخرج زعيم الأغلبية والشرعية (الأبدية) ليعلن قبوله بالتحييد لهذه الوزارات وهي : الدفاع وشاغلها حاليا محايد.. والخارجية والداخلية والعدل وهي تحت سيادة الأغلبية.. وهناك من رحب بهذا التنازل الحاتمي والبعض انضم لمن يتهم الآخرين بأنهم لا يتركون الحكومة تعمل..
فما هي حقيقة «التحييد» المنقذ.. فأما الخارجية فقد بلغت درجة التشبع بوضع الو لاءات في القنصليات والسفارات ويمكن القول انه تم الاطمئنان على نسيجها «المحايد».. وللعدل حكاية صراع بدأت ولم تنته بسبب طبيعتها وأطرافها وصلابة هياكلها «المتناحرة». وأما الداخلية فحدث ولا حرج. 16 واليا تم تعيينهم من أصل 24 واليا وهويتهم السياسية معروفة وأنهيت مهام 9.. وتم استبدال 18 كاتب عام ولاية وأنهيت مهام 11.. وتم تعيين 150 معتمد جديد وانهاء مهام 110.. عدا العشرات من «النيابات الخصوصية» للبلديات.. وتم ذلك في عهد حكومتي السبسي والجبالي.. ولا شك ان الادارة في حاجة الى تطهير لأسباب مختلفة.. لكن هوية من خلفهم هي مربط الفرس..
هناك من يقول ان ما جرى غرسه من ولاءات في وزارات السيادة وغيرها لن يؤثر على الاستحقاقات الانتخابية القادمة ان حصلت باعتبارها ستكون تحت اشراف لجنة مستقلة جاهلا او متناسيا أن الاقتراع هو خاتمة عملية اعداد واستعداد طويلة المدى والنفس والمال والنفوذ.. ومن يسيطر على مفاتيح الرزق والخدمات بحكم موقعه هو العنصر الأساسي لعملية الاعداد. ولا يمكن أن نتصور وزيرا محايدا قادرا على اعادة ترتيب وزارته مهما كانت حياديته خاصة وان رئيس الحكومة بقي من الأغلبية.. من دون أن ننسى الدور المسيطر للمجلس الدستوري بحكم الدستور الصغير وكلنا يعرف هوية انجازاته المتلاحقة..
من اجل ذلك نقول ان «التحييد» العتيد جاء متأخرا جدا.. وما هو الا فصل جديد في التراجيكوميديا السياسية التونسية أبطاله ساسة وضحاياه متفرجون.. ووطن.