فرح كثيرون عندما قال السيد حمادي الجبالي إن حكومته فشلت، من يعيش على وهم إسقاط الحكومة ومن يلهث وراء كرسي حتى من دون حقيبة.. كان الرجل بارعا في إلقاء قنبلة الدخان لينسحب الى ساحة أخرى يجري الإعداد لها من قِبَلِ حزبه منذ شهور بل سنين.. فقد مرّر الصدق في فشله في تلبية استحقاقات الوطن والشعب، وأخفى نجاحه البارع في أمور تهم حزبه بالأساس، منها منعَ الشارع من التحرك لجرفه، وأخطرُها نجاحه ومن معه من وزراء النهضة في تنفيذ مخطط «التمكين» كما يسميه «الإخوان»، أي تهيئة الأرضية لمستقبلهم المنظور والبعيد عبر التعيينات في مختلف مفاصل الدولة.. رحل الجبالي وتسلم السيد علي العريض واختفت «حكومة الكفاءات» لنعود الى حكومة الولاءات.. وجاءت التشكيلة العتيدة في جزء منها على قول المثل (كبوس هذا على راس هذا ) عبر تغيير الحقائب، و في جزء آخر بالتزيين بتعيينات جديدة، وفي جزء ثالث باستبقاء البعض من الشركاء (الترويكا)، وجميع من كان وزيرا في حكومة الجبالي «الفاشلة» بقي وزيرا ولو بصفة مستشار، إلا قلة قليلة، وفي جزء رابع وهو الأهم «تحييد» وزراء السيادة.. وخرج زعيم الأغلبية والشرعية (الأبدية) ليعلن قبوله بالتحييد.. وفرح البعض «بانصياع» النهضة.. وبلع كثيرون الطعم.. هذه الوزارات هي: الدفاع وشاغلها استقال مُغاضِبا ومن يعرف هذا الرجل وصدقه عليه أن يتوقف مليا أمام ما قاله.. والخارجية التي بلغت درجة التشبّع بوضع الولاءات في القنصليات والسفارات ويمكن القول انه تم الاطمئنان على نسيجها قبل إلباسها نقاب الحياد.. وللعدل حكاية صراع بدأت ولم تنته بسبب طبيعتها وأطرافها وصلابة هياكلها «المتناحرة».
وأما الداخلية فحدث ولا حرج. 16 واليا تم تعيينهم من أصل 24 واليا وهويتهم السياسية معروفة وأنهيت مهام 9 .وتم استبدال 18 كاتب عام ولاية وأنهيت مهام 11 .وتم تعيين 150 معتمد جديد وإنهاء مهام 110 .عدا العشرات من «النيابات الخصوصية» للبلديات.. وتم ذلك في عهد حكومتي السبسي والجبالي.. من دون أن ننسى الدور المسيطر للمجلس الدستوري بحكم الدستور الصغير وكلنا يعرف هوية انجازاته المتلاحقة لا شك ان الإدارة في حاجة إلى تطهير لأسباب مختلفة.. لكن هوية من تولى وزارات السيادة هي مربط الفرس.. وما سينجزونه لتثبيت التحييد هو الفيصل .
فهل سيتمكن وزير محايد من إعادة ترتيب وزارته وتحييدها عمليا خاصة وان رئيس الحكومة بقي من الأغلبية.. علما وان من يسيطر على مفاتيح الرزق والخدمات بحكم موقعه هو العنصر الأساسي لعملية التمكين.. لا نستبق الأحداث وننتظر.. وغدا لناظره قريب المحصلة ان الكعكة أعيد توزيعها بين النهضة وأخواتها وان «التحييد» العتيد جاء متأخرا جدا.. والظاهر ان الحكومة والتحييد هما فصل جديد في التراجيكوميديا السياسية التونسية، أبطاله ساسة، وضحاياه متفرجون.. ووطن.