دخلت قاموسََنا «الثوري» كلمة أصبحت حديث الإعلام والأقوام، يتباهى بها البعض ممن حجز لنفسه مكانا في جنّة الخُلد، وله من الحُور العين ما لم يوجد في بلاط السلاطين... وآخرون وجدوا فيها بضاعةً رائجة يبيعونها بالريال والدولار والشيقل، فيمنحون «المجاهد» بعضا من مصروف الدنيا قبل نعيم الآخرة ..أما التّجار فلهم متاع الدنيا ولا يُغويهم أجر مؤجّل ...وبعضهم اقتحم بوَرَعِهِ المواخير، فذرف الدمع الغزير، وبشر التائبات بسريرفردوسيّ من الزّبرْجدِ والحرير، وهو مُسلّح بفتوى تمنح للمتبرجات صكا مضمونا للجنة، إذا قضين مع «المجاهدين» بضع ساعات، وقد أُعدّت لهن الساحات، حيث تحولت احدى الراقصات إلى ضابطة إيقاع توزع المكرمات، وهي بذلك خبيرة، وقادرة على القنص بعيون مُغمضات ... الجهاد... قرأنا عن مآثره في صدر الإسلام ... وعرفناه من جدودنا وهم يقاومون الاستعمار والصهيونية ... إلى أن أصبح موضة في أفغانستان قبل أن ينتشر في ساحات «الربيع العربي»...وكثر المنظرون له والمُفتون، وأصبحت له نعوت، وجوائز تمنح في الدنيا وفي الملكوت ...وباسمه أزهقت أرواح، وتحوّلت أملاك الناس إلى غنيمة والحرائر إلى سبايا ...والأخطر والأعجب انه لم يعد جهادا ضد عدو غادر، او صهيوني فاجر، بل طال كل المسلمين الذين لا يملكون للصد حيلة ولا للفرار وسيلة ...ومن أفغانستان إلى العراق إلى الجزيرة العربية إلى ليبيا والجزائر ومالي وسوريا إلى ...تونس ...تونسيون بالمئات، شبان وفتيات،انخرطوا في هذا «الجهاد» وبعضهم اصطحب فلذة كبده إلى ساحة الحرب فقتل(؟) ... وبدات محاولات كشف المغمور من الأسرار والمستور من الأخبار: كيف؟ ومن؟ ولماذا؟ وبدا «العائدون» من ساحات الجهاد يتحدثون ...صدقا ومراوغة أو عنتريات؟ لا يهم ..المهم أنهم تحدثوا ولم يعد هناك خوفٌ من قانون يُجرِّم هذه الأعمال ...بل هناك حكّام أو قريبون منهم يُبرِّرون ويَروْن في ذلك «حرية»...ويتعاظم خوف المواطن الذي تعب من انخرام الأمن واندثار هيبة الدولة وتبدأ التساؤلات ..ما سرّ هذه الطفرة «الجهادية»؟ من يسهل تسفير «الجهاديين»؟ من ينفق عليهم سفرا وإقامة؟ متى يعودون مثلما عاد من قَبْلِِهم الأولون؟ والأهم من هذا كله : هل هو البحث عن «الشهادة» أم هو الإعداد الميدانيّ ليومٍ يكون فيه هؤلاء في خدمة أغراض محددة ؟ هل هو «جهاد» أم استعداد ليوم التنادي؟
هناك فِكْر يُروّجُ له، وأهدافٌ لم تعُدْ خافية، وجهات أجنبية علتْ كلمتُها في أرضنا ..وفيها جواب السؤال الأخير...والخوف ألاّ يكونَ السؤال: هل ستتحول الخضراء إلى ساحة دم؟ بل متى سيكون ذلك ؟ وعمليةُ الاستنزاف بدأت، والإعداد جارٍ بخُبْثٍ قاتل، سواء بإضعاف جاهزية الجيش، أو باستنزافه في مواجهات متقطعة هنا وهناك.