كنت في طريقي إلى المطار للمغادرة، لمّا أعلنت مذيعة إحدى الإذاعات - منتشية - خبرا أكّدت صرامته ونهائيته وعدم تردّد مُصدره، تمثّل في منع ما أسمته المذيعة "اللباس الطائفي" في مقاعد التربية والتحصيل العلمي بالبلاد التونسيّة المسلمة!... مفردات تذكّرنا بالمجرمين، أولئك الذين رأوا الكثير من التونسيين "طائفة" يجب مقاومتها أو إفناؤها، وتذكّرنا بالمنشور 108 سيّئ الذكر والتنزيل وبطوابير النّساء أمام المعاهد والجامعات والمستشفيات، يُمنَعن الدّخول إلّا بالكشف!... جرأة على الحرّيات المائلة إلى الرّشاد، تعكس عزم الذين جاؤوا من بعدهم لاستئصال بذورٍ حاولت الثورة بذرها في قحط البلاد التونسيّة المُنهكة!...
سبحت مع الخبر، فرأيت محرّم اللباس "الطائفي" يكره "طائفة" أرادت - رغم بعض الأخطاء - تأكيد انتساب تونس إلى الأمّة الحيِيّة ذات الأخلاق الكريمة الفاضلة... ورأيت طائفته المحظوظة المُسندة، هي تلك التي كشفت الرُّكب والأفخاذ وأجزاء أخرى أكثر حساسيّة وميّلت ومالت وأمالت، تحارب الذوق والحياء وتنشر الفساد والعنوسة والزواج البديل، المعروف عند الشعراء بالعشق والعشّاق، وتشجّع النّشء الحرام، ذوي الجرأة على التشريع جارج الشرع!... ورأيت الكزدغلي يحتفل بالخبر مادحا جلّوله، شبيهه ونصيره، وقد انتصر له من منصف بن سالم رحمه الله وطيّب ثراه، ذلك الذي دافع - والنّاس له متجاهلين - عن حريّة اللباس والحرّيات الشخصية والعامّة!... ورأيت حالنا - نحن الإسلاميين "المشاركين في الحكم" - ضمن الذين سئل عنهم الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، فبشّرهم بهلاك يعمّ الجميع إذا ما كثر الخبث، وإذا ما جبنوا ولم يقدروا على منع ذبح الأخلاق واستئساد الرّذيلة في البلاد، واحتموا بمقولة "المصلحة العامّة" أو "المصلحة الوطنيّة" أو احتجّوا بمقولة "المتفرّج فارس"!... ثمّ رأيت "الطائفيّ" يتوسّع - كما كان من قبل واسعا - ليشمل اللحية والحجاب والكلم الحسن، فقد كنّا قبل الثورة لا نحيّي بتحيّة الإسلام (السلام عليكم) ونحن اليوم نحيّي بها، وكنّا لا نبسمل ولا نحمد الله ولا نأتي أيّ مصطلح قد يُبدينا للنّاس "طائفة"، ورأيت توسّعه يكثر من حولنا "الوطنيين" الكلاب يدفعون عن الوطن شرّ "الطائفة"!.... على الجميع اليوم أن يتحمّل مسؤوليته ويعمل ما في الوسع كي لا يكون ممّن وقعوا تحت طائلة الأمر الرّباني العليّ [وقفوهم إنّهم مسؤولون]... فإنّهم يومئذ لن يتناصروا ب"توافق" قد يأتي على الأخضر واليابس!... والله المستعان، ونسأله صلاح الحال!... عبدالحميد العدّاسي، 09 أكتوبر 2016، الدنمارك