كنت حديث عهد بدخول البيت لمّا أعلنت الأستاذة سهام بن سديرن عن الشاهد المثقّف، سامي براهم!... بدأ سامي يتكلّم فتعاظمت بكلامه المفاجأة وعملت فيّ فعلها... فالفتى الوسيم المنعّم بات الليلة عندي سجينا سياسيا مبتلى... شكرت لسهام ذكاءها وحسن اختيارها ودقّة البدء عندها... قفزت بي الذاكرة إلى سنوات الجمر، إلى أواخرها... فقد كانت لي ملاقاة مع سامي عبر الحرف، قاوم فيها نصّي نصّه وتصدّت فيها فكرتي لفكرته، وأنا أجهل يومها أنّ الرّجل ممّن وطّنت نفسي على احترامهم وعلى التقوّي بمروءتهم والاستظلال بعد ظلّ الله تعالى بظلّهم!... حدثٌ أكثر من حولنا المتفرّجين الذين سرعان ما مالوا عليّ ثالبين، في عرضي راتعين لولا هذا الكريم (بحري العرفاوي) الذي ناصرني بقوله، أن انتبه يا عبدالحميد فإنّك تقاوم بفكرتك فكرك!... ثمّ كان بعد ذلك العيد، وكان العيد فرصة لغسل القلوب ودرء ما كادت الظروف أن تمنع به التواصل!... شهد سامي البارحة شهادة تُعلي قيمته وهي عالية وتؤكّد غيرته وهي حميدة وتزكّي معدنه الصافي وترسّخ عند المتشكّك هُويته السامقة... كان دقيقا لا يتوقّف عند الجزئيات، حريصا على المصلحة لا يستجيب للذّات، داعيا للإصلاح واصفا لذلك الوصفات!... كان في شهادته طبيبا نفسانيا ومصلحا اجتماعيا وكبيرا قد تجاوز أخطاء الكبار الذين صغروا وأبا عطوفا قد حنا على بنته وبنات كلّ التونسيين وإنسانا قد أبكى ببكائه أغلب الآدميين... زاد سامي بحضوره وشهادته المشهد قيمة وأعلى لدى التونسيين الأمل لبلوغ القيمة وبيّن أنّ الصبر والجهاد لا يكون إلّا بالحرص على القيمة... كنّا قبل شهادته نحبّه فازداد بشهادته عندنا حبّا وكنّا قبلها نحترمه فازداد بها عندنا احتراما... أشكرك يا سامي السامي وأعتذر لما حصل ذات يوم بيننا، فإنّما دلّس الفاسدون في تونس على كلّ سامي. وأسأل الله أن يجعل ما تعرّضتَ إليه في موازين حسناتك، وأن يبارك في ابنتك وييسّر لها أمرها ويرزقك منها الولد الكثير الطيّب حتّى يعلم الظالمون أنّ الرّزق والولد من الله تعالى لا يمنعها مانع مهما أوتي، وأنّه لن يمنع ماءُ الظالم المسكوب على الأعضاء ماءً قد حفظه الله تعالى في الصلب... والحمد لله ربّ العالمين