لم يكن الاستمرار بالخدمة العسكريّة أمرا هيّنا لمن اختار أن يكون ربّه الله تعالى، بل كانت مسيرة مليئة بالعقبات والابتلاءات!... مسيرة تفرض على صاحبها التسلّح بالصبر الجميل كي لا يُمنع خدمة بلده والذود عنه... فقد اعتمد القائمون على المؤسّسة محطّات "تنقيّة" متعدّدة... لعلّ أهمّها التعرّف على الزوجة قبل الارتباط بها. فلا بدّ أن تكون متحضّرة لا تمانع، تقدّميّة لا تهتمّ بما يذكّر بالحجريّة أو الخشبيّة، اجتماعيّة، هاشّة باشّة، محاورة، تحسن الرّقص وتعاقر الكأس وتأنس بمن حضر ولا تتعلّق كثيرا بما لم يستر أو هو في العُرف عندهم ستر!... ولعلّ ثانيها، الحفلات الرّاقصة الواقعة دوما تحت العيون اليقظة، حيث لا ينفع التستّر ولا يخفى عنها ما قد يدلّس عليه التوتّر!... والنّاس عند المحطّات صنفان متساهل عندهم ناجح أو مقاوم للمتاعب مكابد!... بل هم عند المحطّات إمّا بائع دينه أو محافظ ماسك على جمر استثنائي من أجل نفسه والنّاس وبلده... ولقد كنّا من المكابدين، ونجحنا بفضل الله تعالى بمقادير متفاوتة!... نجاح أعاننا عليه أمور لعلّ منها على سبيل الذّكر لا الحصر، التسلّح بالمعرفة والسعي إلى إتقان العمل والعمل على تصدّر الصفوف بالنّجاح في العمل، وعدم الوجود في المناسبات البائسة الماجنة ومقاطعة الأمور التافهات وتوخّي بعض التقيّة رغم البعد عن فقه الآيات!... ثمّ لقد دعاني إلى تذكّر ما كنّا مررنا به، ما آل إليه أمر البلاد، حيث سمح لحاملي السلاح بالمساهمة في الانتخابات البلديّة والجهويّة!... وتونس ليست مبدعة في ذلك... فالبلاد الغربيّة قد سبقت ومكّنت أمنييها وعسكرييها من المساهمة في الانتخابات، بل مكّنتهم حتّى من الترشّح لشغل منصب من المناصب. غير أنّ ذلك يفرض عليه وضعيّة الإلحاق وعدم حمل السلاح مدّة الوجوده فيه... وإنّهم إذ فعلوا أمكنهم ذلك، فإنّ المنتَخَب في البلاد الغربيّة مراقبٌ رقابة صارمة تمنعه العمل لغير مصلحة البلاد أو الميل لفلان دون علّان... وإنّا لو بلغنا تلكم المستويات، قلّ اعتراضنا على مشاركة حملة السلاح في الانتخابات... ولكنّ هذا القرار سوف يأتي بما يعزّز "محطّات التنقيّة" التي تكلّمت عنها أعلاه!... فالعسكريّ أو الأمنيّ وهو يجنّد، ليس بعد اليوم مجرّد عنصر يتقن "الكفر" كما كان سابقا بل هو صوت انتخابي لا بدّ من ضمان ولائه والتأكّد قبل البدء من حسن عطائه!... والأمر بهذه النّظرة خطير جدّا على البلاد!... خطير أخلاقيّا ودينيّا واجتماعيّا وسياسيّا!... وأكبر خطورة في المخاطر، الخطورة الدينيّة الأخلاقيّة!... فإذا كان الفرز يتطلّب تلكم المواصفات، وإذا كان الفرق أو المستوى التعليمي دافعا إلى الفرز، فإنّه لا بدّ من التسلّح بما يُنجِح الفرز!... والمدقّق الآن في فرز المعتمدين والولاة، يدرك أنّ المعيار ليس أخلاقيّا ولا دينيّا بل هو نقيضهما تماما!... وعندما سأل المذيع الوزير الموخر عن الاحتجاجات على التعيينات غير الكفأة، علّق متجاوزا [التعليقات لا يسلم منها شيء، والتعيينات مرّت وباتت واقعا]!... ومن هنا فخطورة إشراك حاملي السلاح لا تكمن في سلاحهم المحمول، بل تكمن في سلاحهم المفقود الذي سوف يعمل من بيده أمر البلاد ممّن ضمر عنده الوازع الديني أو رآه إرهابا تجب مقاومته، على تأبيد فقدانه، وتسويقه أمرا واقعا!...
غير أنّ الله تعالى كان بالمرصاد للكائدين وتوعّدهم بالكيد، ومهّلهم رويدا، ولعلّه تعالى يجعل من حملة السلاح دعما للأخلاق في البلاد، فلا يكون هدفهم من الانتخاب إلّا اختيار الأصلح ومحاصرة الطالح... وإلى أن يتحقّق ذلك بإذن الله تعالى، يظلّ التصويت لفائدة مشاركة [حماة الحياد في البلاد] خطأ غير مقدّر، شجّع عليه عدم تقدير الشعب الذي اختار منه من كان يحسب أنّه له مقدِّر!... ومن قبل كان خطأ السماح للنقابات الأمنيّة خطأ فادحا قد تجلّت بعض آثاره... والله هو الحافظ لتونس ولأهلها الصالحين!...