يمرّ بديارنا هذه الأيّام الشيخ عبدالفتّاح مورو [وصل مساء الخميس ويغادر صباح الاثنين]... وعندما كتب الله تعالى لي أن أقدّمه للنّاس في تلك الأمسية المعرفيّة المفتوحة، مررت بسيرته سريعا سرعة الحياة، ثمّ قلت بالاختصار المفيد غير المُطغي، أنّه مسلم، والمسلم كالغيث أينما نزل نفع (ودعك من كلّ الألقاب فإنّها في أغلبها قاصمة للظهر، وكن مسلما فالشرف في الإسلام)!... ولمّا كنت - كما أحسب - باحث فائدة، فقد نقّبت في حديث الشيخ فتوقّفت وقد أعجبني من كلامه، جوابه، لمّا دعا له أحدُهم بجعل جهوده في ميزان حسناته، قال: احرص أخي على أن يكون لك في الحياة موقف، فإنّ الله تعالى قد خصّ أهل المواقف الطيّبة الخادمة للنّاس وللدّين بالعناية، دون غيرهم!... مذكّرا بأنّ الحبيب صلّى الله عليه وسلّم صرّح مأخوذا بموقف عثمان رضي الله تعالى عنه، وقد نثر في حجره الشريف المال الكافي لتجهيز جيش العسرة [ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم]، وأنّه صلّى الله عليه وسلّم دافع عن حاطب بن أبي بلتعة لمّا رأى النّاس سلوكه ضربا من إفشاء السرّ العسكري الموجب قطع الرّقاب، فقال: [لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم]... كما ذكّر الشيخ بقصّة الثلاثة الذين غُلّق عليهم الغار، فقد أنجاهم الله تعالى بعد رحمته بمواقفهم، لتظلّ القصّة محرّضة لنا على اتّخاذ المواقف!... أعجبني قول الشيخ، وقد حدّثت النّفس باستفاقة التونسيين، قريبا، وقد رغبوا في اقتراف المواقف!... عصاة يعودون إلى ربّهم يعبدونه يتذلّلون ببابه يسألونه من فضله التوبة والاستقامة!... ظلمة يُرجعون المظالم ويعتذرون لهفواتهم لدى ضحاياهم!... مضربون عن العمل يقلعون عن الإضرابات، يندفعون عاملين في الحقول والمصانع والمصالح والإدارات، يطهّرون مالا ويزكّون عرقا!... أغنياء يقيمون المشاريع وينشّطون الحياة فتزهوَ بهم الحياة!... علماء يُحيون الهمم ويحرّضون على الإبداع في مختلف المجالات والفنون والصناعات... صحافة تهجر مزابلها، تزيح اللحوم المتعفّنة من مدارج استوديوهاتها، تُعلي بالكلمة الرّسالية قيمتها!... وهكذا... كلّ بما يستطيع وفيما يستطيع!... ليس من أجل تسجيل المواقف ولكن من أجل تخزينها ليوم لن تُنجي من هوله إلّا المواقف!...
نسأل الله صلاح الحال، وأن يكون كلامُ الشيخ دافعا لنا باتّجاه ميادين الجدّ والإبداع، وحبّ العمل الذي رغّب فيه الحبيب صلّى الله عليه وسلّم بلوحة بديعة قال فيها: [إن قامت السّاعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل]!...