1 - الرّايات من الرّايات، مذمومة منبوذة منافقة، كتلك التي رفعها ابن سلول مفرّقا بين المسلمين محيِيا فيهم ما سمّاه الحبيب صلّى الله عليه وسلّم منتنة، أو كتلك التي تُرفع ممجّدة مجموعة أو حزبا أو شخصيّة بعينها، تدلّس على انحرافاتهم أو تلمّع صنائعهم السود وتبيّضها، أو كتلك "الوطنيّة" أو "القوميّة" أو "الإنسانيّة" ممّا أضرّ بالأوطان والقوميات والإنسانيّة... ومنها الممدوحة الإيجابيّة المرغوب فيها، كتلك التي رفعها - بأمره صلّى الله عليه وسلّم، وهو ينهى عن الجاهليّة - مصعب وسعد وأسامة ومعاذ وخالد وعلي وغيرهم من الأفذاذ، ينزلون بها حقّا ويُرسونه ويدعمون بها مبدأ ويثبّتونه ويدمغون بها باطلا ويزهقونه... ولقد رأيت رايات الحجّ إيجابيّة واجبة الرّفع!... فهي ضروريّة لتنظيم الصفوف وحفظ الوفود وخدمتهم وإذكاء التنافس الخيّر بين رافعيها قادة الحملات إلى البقاع المقدّسة!... وعلى الكثير من تلكم الرّايات الاقتداء براية مؤسّسة مطوّفي حجّاج تركيا ومسلمي أوروبا مأمريكا وأستراليا (Milli Görϋş)!... الاقتداء بها في أسعارها غير المشطّة مقارنة مع الأخرى، وفي أدب العاملين فيها وصبرهم وسعة صدورهم وحسن قولهم وأخلاقهم ورفعة معاملتهم وتعاملهم ونظافتهم واحترامهم للنّاس (رغم بعض الضيم الناتج عن الإسراف في استعمال اللغة التركية)، وفي انضباطهم وخفض الأجنحة بعضهم لبعض فيما بينهم، وإقبالهم على أفعال الخير وسعيهم في خدمة النّاس... سعي وخدمة ترتّب عنه تخصيص اعتمادات ساهم فيها الجميع لحفر بعض الآبار في بعض البلاد الإسلاميّة المحتاجة إلى ماء، قد رأى الحجيج قيمته عند اشتداد الحرارة وتعسّر الحركة... نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من حملة رايات الخير، نرسي بها خيرا وندفع بها شرّا... والحمد لله ربّ العالمين 2 - أسماء ما كان للأبواب أن تحمل اسم هذا أو ذاك... وقد كان يسعها - لو رغبت - النّظر في تاريخ زهيّ مشرق راقٍ سامق باسم فاضل، تتخير لها منه أسماء الخلفاء الرّاشدين أو أسماء المبشّرين بالجنّة أو أسماء طلائع البدريين... أو تتسمّى بأصحاب المواقف في بدر وتحت الشجرة وفي حنين ومؤتة وخيبر... أو تتسمّى بأصحاب المناقب، كأمين الأمّة والأعرف بالحلال والحرام وحبر الأمّة وسعد بن معاذ الحاكم في بني قريظة بأمر الله تعالى، وغيرهم من الأفاضل... وأمّا أن تتسمّى بمن تسمّت بهم الآن، ممّن استمرأ سكب الماء في أيادي رعاة البقر، فقد حرّكت بذلك حفيظة الكثير من الزّائرين...
3 - الشبع للشّبع آثاره!... حمد لله تعالى وشكر نعمة وحفظ لها، حتّى لتجد الشبعان يتتبّع حبّة روز وقعت منه، يلتقطها... يقبّلها... يأكلها!... أو جحود وكفر نعمة وعدم حفظ، حتّى لتجد، على طريق منى - مزدلفة، الكثير من الموائد مبعثرة على القارعة، في مشهد يُحدث في النّفس من الوساوس ما يُحدث!... وساوس قد تذهب إلى الاقتناع بأنّ الإسراف في الخير "مذمّة" قد تؤدّي إلى الانحراف!...
4 - مؤلم قد أحسن الذي عمل!... فالطريق بين مزدلفة وعرفات معبّدة ممرّدة مجهّزة بسلّات المهملات على الجنبات!... ولكنّ النّاس لم يقدّروا ذلك ولم ينتبهوا إليه فانطلقوا متنافسين في تقذير الطريق وإغراقها بالقوارير البلاستيكيّة الفارغة وغيرها من النّفايات التي تكثر بمفعول عدم ترشيد فعل الخير، كما أسلفت، وبعدم فقه نعمة الاكتفاء والشبع!... كنت أشعر بالغربة وأنا أجتهد في اختراق الصفوف لوضع قواريري الفارغة في السلّة بالجنب!... كنت أشعر بالألم والخجل إذ أرى آثار إقامتي في بلاد الإقامة ولا أرى عند النّاس آثار إقامتهم ببلاد ساد فيها الإسلام معلّم النّاس الطهر والنّظافة!... كنت أشعر بحجم الإفساد والفساد الذي أحدثه فينا "التنويريّون" والتقدّميون" ممّن ولّاهم الله تعالى شؤون الحكم في بلداننا!... وإذا أنطقني المشهد بشيء، فلن يكون غير الدعوة إلى تعليم أبنائنا وبناتنا وناشئتنا النّظافة الحسيّة والسلوكيّة... نعتمد ذلك في المناهج التربويّة والوطنيّة... نبشّع لديهم القذارة والعشوائيّة ونزهّدهم فيمن يركن إليها ونكرّهه إليهم... علينا أن نربّي جيلا نظيفا حسيّا وخلقيّا، عارفا بربّه تعالى متّبعا لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم رمز العفّة والطهارة والسمت الجميل!... علينا جميعا أن نستقبح سلوكا يحدث على طريق السير إلى مكان لا يتمّ الحجّ إلّا به!... علينا في النّهاية أن نتعلّم الحياء، فبه تُكتَمل شعبُ الإيمان، ومنها إماطة الأذى عن الطريق!...