إنّي الممضي أسفله، أقرّ وأعترف بمحض إرادتي ودون عنف أو تعليق، ومن غير رغب ولا رهب أو خوف أو طمع أن كثيرا من الاعتقاد السائد حول حجم الأعباء وثقل مسؤولية المرأة في القيام على شؤون بيتها وزوجها ورعاية اطفالها اعتقاد في أغلبه خاطئ أو ظالم، فحتى الذين يزعمون أنهم منصفون ومُقدّرون، لا يُقدّر أغلبهم تلك الأعباء حقّ قدرها حتى يقف عليها بنفسه وينوب ربّة بيته بالتمام والكمال في القيام بالمهمة دون أن يكتفي بمجرد المشاركة أو المساعدة، لأنه في خلاف ذلك يستمر في تقديره أن الأمر هين ولا يتطلب جهدا بدنيا أو نفسيا. فترتيب البيت عندهم أو إعداد الطعام ورعاية الأبناء لا توازي مشقة العمل، أيّ عمل خارج البيت لتوفير المعاش والنفقة! هذا فضلا عمّا تعتقده مجموعة الرجال المصنّفة مجازا تحت شخصية "سي السيّد" فهؤلاء يعتقدون أنهم أصحاب الفضل المطلق على المرأة خاصة إذا كانوا وحدهم من يتحمل مسؤولية النفقة على البيت، معتقدين أن ذلك فضل منهم لا يضرّ بعده تقاعس في البيت أو تهوين لدور المرأة ربّة البيت. ويجدر الإشارة أن شخصية "سي السيد" ليست في الرجال وحدهم وإنما هناك جزء كبير من النساء يكرّسن شخصية "سي السيد" في الرجال سواءا كانوا أبناءا أو أزواجا ويصنعونها فيهم بمنعهم من فعل أي شيء في البيت معتبرين ذلك عيبا في حقهم وحقهنّ وإن كان ذلك على حساب صحتهن وأمور أخرى ذات أهمية للمرأة كإنسان وللأسرة والزوجين عموما! ... وهذا في حدّ ذاته موضوع آخر قد أخصه بمقال لن يكون في صالح النساء! الذي حملني على هذا الإعتراف أنني وإن لم أكن يوما من جماعة "سي السيّد" فإنني كلما تباعدت المدة الفاصلة بين اضطراري للنيابة في مسؤولية البيت نيابة كاملة أنسى التقدير الصحيح لعسر المهمّة وشقائها! حيث أنه كلما غابت القيِّمة على شؤون المنزل والأطفال لمرض أو سفر أجدني وجها لوجه أمام تحدّيات لا ترفع ومهام كنت أظنها يسيرة فإذا بها لا تنتهي! الماعون غسيل قبل الطبخ وخلاله وبعده! ... الترتيب كلما ظننت أنك فرغت تبدأ من جديد! غسيل الملابس ترتبها حسب الألوان، تأخذها لقبو العمارة تضعها في الغسالة وقبل ذلك تنشر الملابس التي غُسلت، وقبل أن تنشرها يجب أن تفرغ المنشر، أي تجمع ما جفّ من ملابس منشورة! كل صباح يجب أن تبكّر لتوقظ الأطفال وتشرف على انطلاقهم للمدارس! ... يا للهول ما أعسرها من مهمة! ... فأسأل نفسي كيف صبرت المسكينة على هذه المهمة سنين ولم أكن أقدر تعبها وتذمرها من عناد الأطفال خاصة منهم أصحاب المراهقة المبكّرة و"العوج" و"البلادة والركاكة"! ... ويجب أن لا تنسى مواعيد أنشطتهم الرياضية والمواعيد الطبية ولقاء المعلمين والأساتذة في موعده! ومتابعة الواجبات المدرسية!! .... حتى بلوغ آخر مهمات الأطفال التي لا يُبلغ لها آخر! ... وشراء لوازم البيت وحاجات الأطفال! بالملخص هي مهام لا تنتهي حتى تبدأ من جديد مثل معاناة سيزيف، لا يمكن مقارنتها أصلا بالعمل خارج المنزل! وأسأل نفسي أحيانا إذا كانت هذه المشاق بهذا الثقل مع توفّر الضروريات وحتى الكماليات، فملابسنا تغسل في الغسالة، وغسالة الماعون في المساعدة، وطبخنا على الكهرباء وليس على الحطب والسيارة تُيسر أمورنا وتبلّغنا مقاصدنا، فكيف بالنساء اللّواتي ينضاف لهن مع المهام المذكورة مهمة الفلاحة وجمع المحصول ورعاية الحيوانات، والتنقل عبر المواصلات؟! وعليه فإن اعترافي مفاده أنه لا يمكن أن يُقدر عِظم دور المرأة في بيتها وثقل حملها إلا من يُجرّبه! ... ومن يفعل ذلك يفهم وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا وهو على فراش الموت، ويفهم لماذا كان صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويصلح نعله ويخيط ثوبه رغم بساطة حياتهم وعدم تعقيدها! ... ويفهم قوله صلى الله عليه وسلم "لا يكرمهن إلا كريم ..." ( وإن كان ضعيفا) هذه المسائل التي يستخف بها أشباه "سي السيد" ويتندرون بها ليصوّروا أنه من الرّجولة أن لا يكون الواحد مُعينا لأهله في بيته! ومن الطرائف المعبرة في هذا المجال أنه تم تداول صورة في المواقع الاجتماعية فيها امرأة إفريقية تحمل صغيرها على ظهرها وفوق رأسها حقيبة كبيرة وفي يمناها كيس ثقيل وزوجها على يسارها فارغ اليدين تمسك يمناه بيسراها وتعليق ساخر مصاحب للصورة أنها تساعده أيضا في حمل يديه!... كنت أضحك من الصورة ولكن أحدهم لم يفهم محل النكتة ولم ير الغرابة فكانت نكتة أخرى حين قلت له: "أنت مثل صاحبنا الذي في الصورة لذلك لم تر وجه الغرابة"! وطرفة أخرى أن جارنا "عمّ يوسف" رحمه الله وقد كان فكاهيّ الدّوار وجد ذات يوم زوجته "دادا حسنة" رحمها الله تطبخ الكسرة على النار في قائلة الشهيلي وتعرّض نفسها لحرّ النّار والشمس والدخان فقال لها رحمه الله: "والله لو كنت مكانك لن أطبخ في هذه الحالة حتى لو كانت النتيجة طلاقي"! هذا اعترافي أنا المقصّر في حق زوجتي بعد تقصيري في حقّ أمي، متزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان كتبته قبل أن أنسى أهوال المهمة بالتقادم وأوقّع عليه ليكون حجّة عليّ إن نسيت وربّما لتذكير من تنفعه الذكرى فيتدارك أمره مع أمّه وزوجته. طه البعزاوي 9 ديسمبر 2017