قد يبدو السؤال غير منطقي وأن الجواب بديهي وهو أن الرجل من "أشرس" المدافعين عن حرية المرأة وحقوقها حسب منطوق خطابه وخطاب حزبه بشان المرأة. إلا أن موقف الحركة من مبادرة رئيس الجمهورية حول المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، والمعارض لها بدعوى أنها دعوة مخالفة للشرع، قد عرى وكشف حقيقة رؤية الحركة وزعيمها لمسألة الحريات الفردية عموما وحقوق المرأة خصوصا. النهضة وجدت نفسها بعد اعلان المبادرة في موقف محرج بين مطرقة الحزب المدني المتنصل من كل جذوره الاخوانية الاسلامية وسندان الحدود الدينية الفقهية التي لا يمكنه تجاوزها حتى في حالة "التقية" وخاصة متطلبات ارضاء قواعده "المتشددة" في المسألة الدينية. موقف راشد الغنوشي الذي لم يصرح به علنا من مبادرة رئيس الجمهورية حول المساواة في الإرث والرافض قطعا لتجاوز نص قرآني لا يحتمل الاجتهاد (حسب رأيه) قد يعيدنا لفكر الرجل في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في مسألة حقوق المرأة وحريتها. ولا يجد الباحث صعوبة في الاهتداء إلى مواقف الغنوشي من مسألة حقوق المرأة التونسية فيكفي الاطلاع على كتابه "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين" والذي كتبه بعد اجراء مراجعات حول تطور واقع المرأة التونسية حسب تأكيده ووضع فيه جملة مواقفه من قضايا المرأة من التعليم إلى العمل إلى تعدد الزوجات ومآخذه على مجلة الأحوال الشخصية ونظرة بورقيبة لتحرير المراة. راشد الغنوشي ورغم محاولاته الظهور بمظهر رجل الدين المعتدل الذي أجرى مراجعات عميقة في منفاه في بريطانيا لم يبتعد كثيرا في مواقفه في قضية المرأة وتحررها عن مواقف السيد قطب وكشك ومنظري حركات الاسلام السياسي آنذاك. وسأكتفي بنشر بعض المقتطفات من كتاب راشد الغنوشي حول جملة من قضايا المراة التونسية: مهمات المرأة الرئيسية التي لا يمكن لأحد أن يعوضها فيها هي رعاية الطفولة وإعداد الأجيال الجديدة ...فالأمومة ورعاية البيت وظيفتان اجتماعيتان من حق المرأة الأم ربة البيت على المجتمع أن تتقاضى أجرا مناسبا على جهودها " -ص75- فلكي تكون الأم قادرة على إبلاغ رسالة دينها ، وفهم أبنائها وحسن توجيههم ، فلا بد لها من أن تنال من العلوم أقصاها . فأغلب المتفوقين من التلاميذ والطلبة " وراءهم أمهات متعلمات متفرغات لهن " -ص79- للمرأة أن تستقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدم ضيوف زوجها وكل ذلك في إطار آداب الإسلام وتعاليمه ص82- تعدد الزوجات في المجتمع الإسلامي هو حل استثنائي لحفظ عفة وتوازن المجتمع وعدم انهياره أخلاقيا في الحالات الاستثنائية كالحروب مثلا ص97- فصل -التمزق الأسري في تونس ومجلة الأحوال الشخصية- من الكتاب بعد منع المشرع التونسي لتعدد الزوجات وانتزاع سلطة الطلاق من يد الزوج وإيكالها إلى القاضي واعتماد تضييقات قانونية مشددة للتقليل من نسب الطلاق لكن ازدياد هذه النسب بشكل مهول رغم هذه التشريعات التضييقية يقودنا بالضرورة للبحث عن أسباب أخرى عميقة تفسر هذه الظاهرة . التغييرات التي أدخلها النظام البورقيبي على بنية المجتمع التونسي وكانت مجلة الأحوال الشخصية معبرة عنها لم تكن " ثمرة تأمل موضوعي لواقعنا متحررا من ضغوط الغرب والانبهار بمنطقه للمدنية ..لذلك غلبت على هذه الحركة للتحرير النسوي طابع التقليد الأعمى والشكلانية الفجة الخطر الحقيقي لا يكمن في بعض نصوص المجلة الشخصية بل فيما صاحبها من " موجة التغريب والثورة العمياء ضد كل تراثنا الفكري والثقافي والتشريعي والرغبة في تقويض البناء الاجتماعي الموروث لاكتساب بطولة التجديد ..وفي مثل هذا الجو الثقافي والنفسي تأتي جملة من التشريعات لترويج ما بقي من عقبات قانونية في طريق الفساد " كالزنا الذي لم يعد جريمة في حق المجتمع ، وإشاعة وسائل منع الحمل ، وإباحة الإجهاض لم تكن مجلة الأحوال الشخصية ثمرة تطور ذاتي وطبيعي للمجتمع التونسي واستجابة لمطالبه الوطنية بل جاءت ضمن الأجواء التغريبية لمجتمعنا " للقضاء على ذاتيته العربية الإسلامية ، وكانت صفقة الاستقلال جزءا من تلك الحملة