بينما الجميع مشغولون بالحرب الوهمية على الفساد و البطولات الملحمية للسيد رئيس الحكومة ضد صناع الخراب و الفاسدين و المفسدين فإن حركة النهضة تمضي قدما في خطة التمكين على غفلة من الجميع و في ظل الحملة الممنهجة على الإدارة التونسية و العبث بهياكلها و مقوماتها الرئيسية. كان على السيد رئيس الحكومة رافع لواء الإصلاح و تحمل المسؤوليات كاملة أن يجمع جسد الحكومة المفكك و أن يعيد النظر في الهيكلية التنظيمية لحكومته و أن يقوم بتصحيح الإجراءات الخاطئة والمشبوهة التي إتخذتها حكومته والحكومات السابقة و أن ينتبه لإصرار حركة النهضة على تحيز وزارات وإدارات بعينها. المركز الوطني للإعلامية فخر الإدارة التونسية و العقل التنظيمي و المسيّر الحقيقي لكل العمل الحكومي و الإداري مرت أربعة عقود ونيف على تأسيسه كان فيها دوما هيكلا تابعا لرئاسة الحكومة أو الوزارة الأولى يشرف على تعصير الإدارة و توفير المنظومات و التطبيقات والتنمية المهارات و الكفاءات اللازمة لتطوير و تجديد و تفعيل العمل الإداري و رقمنة المعطيات الوطنية والتعامل مع الناتج المعلوماتي للبلاد التونسية افرادا و هياكل و إدارات و وزارات و مؤسسات. في عالم المعلوماتية و الرقمنة، وفي عالم التطبيقات و السيطرة الرقمية فإن هذا الهيكل يعد جزءا رئيسيا في منظومة الأمن القومي التونسي و من المفروض أن يكون هيكلا بعيدا كل البعد عن التحوز الحزبي والمحاصصات السياسية و أن يكون تحت الإشراف المباشر لرئاسة الحكومة كما كان دوما قبل أن تلحقه حكومة الجبالي بوزارة تكنولوجيات الاتصال ليظل كذلك ليوم الناس هذا تحت سيطرة الحركة بإسم توزيع القطاعات والحقائب الوزارية حسب الولاءات و الإنتماءات السياسية بعيدا عن منطق الحوكمة الرشيدة و مقاييس الكفاءة و حيادية المرفق العمومي. ولعل البعض لم يدرك أهمية هكذا هيكل مؤسساتي داخل التنظيم المؤسساتي للحكومة و الإدارة و الدولة فهو العقل المسير عمليا و المشرف على عمل كافة الأجهزة و الفروع و الهياكل ويحوي كافة المعطيات الشخصية للمواطنين ويتابع العمل الحكومي و المراسلات الإلكترونية و سجل موظفي الدولة و السجل الانتخابي و سجل الحالة المدنية التي يمكنها استغلالها هذه المعطيات في الإنتخابات خاصة ونحن مقبلون على إنتخابات بلدية تشكل مقياسا حقيقيا اليوم لمدى الشفافية و الحيادية و التأسيس للديمقراطية و الحكم المحلي والذي يشكل اليوم جوهر الصراع على السلطة وترسيخ هيمنة طرف دون اخر، علما وان المركز الوطني للإعلامية قام بإنجاز منظومتي إنتخابات 2011 و 2014 فيما يتعلق بالقوائم الإنتخابية والتقاسيم الترابية و توزيع مكاتب الإقتراع وغيرها . إن طبيعة المخزون المعلوماتي و حجم المعطيات التي يشرف عليها المركز تجعله يتحكم في ظبط الإستراتيجيات العامة وأخذ القرارات المصيرية و المستقبلية للحكومة وللدولة عموما مما يحتم منطقيا إعادة إرتباطه مباشرة برئاسة الحكومة بإعتبارها مركز صنع القرار و الخيارات و التوجهات للدولة ومؤسساتها. ولكم أن تتخيلوا طبيعة المهام الموكلة للمركز في قطاع الإعلامية و التي هي أفقية و تهم كل الوزارات و الإدارات الراجعة بالنظر إليها و ذلك عبر: توطين المنظومات الوطنية الكبرى، منظومة “انجاز” لمتابعة وتقييم المشاريع والبرامج العمومية، منظومة إنصاف، للتصرف الآلى في الموارد البشرية لدولة، منظومة أدب لمتابعة ميزانية الدولة، منظومة أمان لبرمجة و متابعة العمل الحكومي، منظومة رشاد للتصرف في المأموريات بالخارج، تأمين الخدمات الإدارية عبر شبكة إدارية مندمجة، التراسل الإلكتروني بين موظفي الدولة، منظومة التصرف الإلكتروني للبريد بين كافة مكاتب الضبط للوزارات كما نلاحظ فكل أنشطة المركز في علاقة مباشرة مع رئاسة الحكومة و يمكن للمركز أن يطور من أدائه إعتمادا على الخبرات و الكفاءات المميزة التي تعمل بداخله و على مراكمة أربعة عقود من التجارب والإنجازات التي بلغت مستوى دوليا وحظيت بإعتراف عالمي نظرا للمستوى الراقي في الأداء و التجديد و تطوير المعلوماتية و الرقمنة في البلاد التونسية. اليوم بعيدا عن الشعارات العديدة التي ترفعها الحكومات الديمقراطية المتعاقبة عن الحوكمة الرشيدة و تطوير الإدارة وتعصير الاساليب والنظم بات من الضروري بل من الواجب الوطني إفراد هذا الهيكل بما يستحقه من تمييز و اهمية و إبعاده عن التجاذبات الحزبية و برنامج التمكين القديم المتجدد لفرع تنظيم الإخوان المحلي الذي تمثله حركة النهضة والتي يزال الولاء للجماعة والتنظيم قبل الولاء للوطن والدولة ، إن المركز الوطني للإعلامية ثروة وطنية حقيقية وجب على رئاسة الحكومة أن تنقذها قبل أن تسقط ضحية التحزب و الإستقطابات و ان تخرجها من دائرة المساومات وهو نفس الأمر الذي من المفروض أن يشمل وزارة وزير تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي وبقية الوزارات وكتابات الدولة. كان على رئيس الحكومة أن يكون صاحب نظرة شاملة وان يمسك بزمام حكومته إن كان يريد بالفعل ان يخوض حربا على السائد من فساد وتسيب و تراجع لسلطان الدولة لأطراف تطاولت وصارت فوق القانون واقوى من الدولة فالحروب لا تخاض بالتجزئة و المهمة تكليف وليست بتشريف و ليس غير الوطن والشعب اصحاب الشرعية و السلطة. نجدد التقدير و الإعتراف بالجميل و حجم الإنجازات والإبداع لكافة كوادر وإطارات و عمال ومتقاعدي المركز الوطني للإعلامية فهم فخر لهذه البلاد وقيمة متجددة في بنيان الدولة التونسية. ريم المورالي