المركز الوطني للإعلامية صرح وطني، مرت اربعة عقود على تأسيسه، كان فيها دوما رديفا لتطوير وتعصير الإدارة التونسية وفي قلب بنيان دولة الاستقلال. كفاءات عديدة مرت عليه وخبرات تراكمت وإنجازات عظيمة حققت وإشعاع فات حدود البلاد التونسية واعتراف دولي بقيمة هذا المركز و بأسبقية تونس إقليميا ودوليا في ميدان الرقمنة والمعلوماتية والحوكمة الرقمية منذ إهتمام الدولة باكرا بهذا القطاع وتنبهها إلى فاعليته في الإدارة وتسيير مرافق الدولة. عمليا اليوم فإن المركز هو العقل المسير للدولة ومرافقها وله إتصال مباشر بالحياة اليومية لكل مواطن تونسي، فهو المؤتمن على بيانات الجميع، دولة ومؤسسات ومواطنين، وهو المشرف تقنيا على الحكومة التونسية بكل وزاراتها ودواوينها وموظفيها والراجعين اليها بالنظر. وحتى تكون الصورة أوضح حول قيمة وخطورة مهام هكذا مركز وإرتباطه بالأمن القومي لتونس يكفي استعراض البعض من مهامه وطبيعة المعلومات والبيانات التي يتعامل معها والتي هي أفقية وتهم كل الوزارات والإدارات الراجعة بالنظر إليها: * يحوي كافة المعطيات الشخصية للمواطنين * برمجة ومتابعة العمل الحكومي والمراسلات الإلكترونية * سجل موظفي الدولة والسجل الانتخابي وسجل الحالة المدنية * توطين المنظومات الوطنية الكبرى * تأمين الخدمات الإدارية عبر شبكة إدارية مندمجة، * تأمين التراسل الإلكتروني بين موظفي الدولة، * تأمين منظومة التصرف الإلكتروني للبريد بين كافة مكاتب الضبط للوزارات، ولقد كان المركز منذ نشأته هيكلا ملحقا مباشرة بالحكومة التونسية الى موفى 2001 ومنذ حكومة الجبالي تم إخضاعه لإشراف وزارة تكنولوجيات الإتصال والتي ظلت منذ ذلك الحين الى يوم الناس هذا حقيبة حزبية بالأساس حكرا على حركة النهضة وتدخل ضمن إقطاعياتها الوزارية وفق نظام المحاصصة الذي عطل المرفق العمومي عموما ومس من صورة المركز الوطني للإعلامية على وجه الخصوص وجعله في مواجهة مستمرة مع محاولات تطويعه وإخضاعه لسلطان الحركة خدمة لمصالحها ما ظهر منها وما بطن. ففي 04/03/2013 تم انتداب أحد منتسبي حركة النهضة كتقني عن طريق العفو التشريعي العام و قع تعيينه بإدارة إيواء و معالجة و استغلال المعطيات و بعد التفطن إليه في الولوج إلى المعطيات و البيانات دون وجه حق وقعت نقلته بنفس الامتيازات إلى إدارة أخرى كما هو معمول به في سائر مؤسسات الدولة إلا أنه تمرد على قرار المدير العام و لم يغادر الإدارة المذكورة أعلاه و أستقوى بالحركة ضاربا عرض الحائط بقرار الإدارة العامة باستعمال أساليب متعددة كما تجدر الاشارة الى ان الغموض و التساؤلات التي لم ترفع بعد حول طبيعة الأحكام القضائية الصادرة في حق المنتفعين بالعفو التشريعي العام علما أن العفو التشريعي العام لم يبين براءة المنتفعين به من عدمها كما تم في 02/12/2013 إنتداب عضو مجلس شورى حركة النهضة المكلف حاليا بالإعداد للإنتخابات البلدية ويترأس جمعية مهمتها إستقطاب الناخبين ووقع تعيينه كمهندس بإدارة إيواء ومعالجة واستغلال المعطيات أين توجد كافة المعلومات التي تهم كل المعطيات الشخصية للمواطن وسجل موظفي الدولة والسجل الانتخابي وسجل الحالة المدنية التي يمكن استغلالها حزبيا في الانتخابات البلدية المقبلة. وقد رفض المجلس التأسيسي ترشح الكاتبة العامة السابقة للمركز لعضوية الهيئة المستقلة العليا للإنتخابات بشبهة عدم الحيادية وانتماؤها لحركة النهضة، ليقع تسميتها على رأس المركز الاحتياطي للمعلومات اين توجد كافة المعطيات المخزنة. وهنا يتضح جليا العجز التام لوزراة الإشراف على تطبيق القانون وفرض الحد الأدنى من التقيد بالظوابط الإدارية، وأن الولاء الحزبي له السبق على القوانين والنظم والحوكمة الرشيدة. الشئ الذي يطرح حقيقة مقدرة السيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية على فرض سلطته على الوزارة وعلى التحكم في دواليب الدولة .كما أن الإهمال في التعامل مع مطالب إلحاق المركز الوطني للإعلامية برئاسة الحكومة مباشرة حفاظا على الأمن القومي تدفعنا للتساؤل حول رؤيته لمقومات ومفهوم هذا الأمن وإن كان يدرك فعلا خطورة وأهمية هذا المرفق الحيوي والإستراتيجي خاصة وتونس تخوض حربا ضروسا على أكثر من جبهة ضد الإرهاب و الجريمة المنظمة تستدعي الحدود القصوى من الحيطة والحذر وتدعيم الوسائل و الاساليب اساسها المعلومة وتقنيات التعامل معها . اليوم وتونس مقبلة على إنتخابات مصيرية ستؤسس للحكم المحلي وستحدد معالم البنى الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية وطبيعة السلطة، بعد سنوات سبع عجاف من الإنفلات والتسيب والسعي للتمكين للمشروع الإخواني الدخيل ويكفي الإطلاع على تقارير دائرة الحسابات للتعرف على حجم العبث والتخريب الممنهج لمؤسسات الدولة، فقد بات من الضروري توفير الحد الأقصى من الضمانات وفق أصول اللعبة الديمقراطية للإنتخابات البلدية المقبلة من شفافية وحيادية وإنعدام فرضيات التلاعب والتزوير وتوظيف بيانات الناخبين. اليوم على الحكومة ان تنقذ المركز الوطني للإعلامية وأن توقف العبث بالأمن القومي وأن تسترجع هذا المرفق الخطير وتضعه تحت الإشراف المباشر لرئاستها. في الختام تحية إجلال وتقدير لكل الأجيال التي تعاقبت على المركز الوطني للإعلامية وساهمت في بناء صرح وطني كبير ساهم بقسط كبير في إنقاذ الدولة التونسية وضمان إستمراريتها في لحظات حرجة من تاريخ تونس
بقلم ريم المورالي الامينة العامة لحركة الاستقلال التونسي