حين تحدّثنا عن التصريحات التحريضية للكاتب بوعلام صنصال وتداعياتها، كان قد مضى فقط 12 يوماً على حصوله على عفو رئاسي ساهمت في ترتيبه كلٌّ من ألمانياوفرنسا. هذا الكاتب المثير للجدل كان يعلم جيداً أنه تحت المراقبة الدقيقة، ويعرف أنه في وضع مشروط بسبب الأفكار التي قادته إلى حكم بالسجن لمدة 5 سنوات نافذة بتهمة "المساس بأمن الدولة وسلامة التراب الوطني". لكن الأمر كان أقوى منه؛ لم يستطع مقاومة الانخراط مجدداً في تصريحات أزعجت الجزائر بشدة... إزعاجٌ بلغ حدّ اتخاذ السلطات الجزائرية قراراً جذرياً يتمثل في حجب جواز سفره البيومتري، وفق ما كشفه، السبت 29 نوفمبر، صحيفة لو سوار دالجيري وأكدته منصة TSA استناداً إلى مصادر موثوقة. عملياً، لن يتمكن الكاتب من دخول الأراضي الجزائرية إلا بجواز سفره الفرنسي، ما يعني أنه سيكون بحاجة إلى تأشيرة تمنحها أحد القنصليات الجزائرية في فرنسا. يمتلك صنصال الجنسية المزدوجة، الجزائرية والفرنسية، ما يفترض نظرياً أنه لا يواجه أي عائق في السفر. لكن الآن، صار عودته إلى وطنه الأم متوقفة على إرادة الجزائر. ومن الطبيعي أن ندرك أن ما قاله عن الجزائر يجعل عودته أبعد ما تكون عن "النزهة". كان صنصال يكرر أنه لم يهاجم الشعب الجزائري بل النظام، لكن بعد كل ما صرّح به مؤخراً، في موجة غير عقلانية، أصبح مشكلاً مع جميع الجزائريين. بدأت القصة مع تصريحاته الصادمة على قناة فرانس 2 في برنامج لوران دلّاهوس يوم 23 نوفمبر الماضي. أوضح حينها أنه لم يُعتقل ولم يُدان بشدة بسبب قوله علناً إن أجزاء من الأراضي الجزائرية تعود للمغرب، بل لأن الجزائر – بحسب زعمه – تريد معاقبة فرنسا على اعترافها ب"السيادة المغربية" على الصحراء الغربية... كما تبنّى صنصال علناً علاقاته بمحيط اليمين المتطرف الفرنسي، خصوصاً صلته بوزير الداخلية السابق برونو روتايو، الذي لا يخفي كرهه للجزائر والجزائريين. وواصل الكاتب تصريحاته بوتيرة أعلى خلال مقابلة طويلة مع إذاعة فرانس إنتر. و لو توقف عند هذا الحد، ربما كانت الجزائر ستعتبر أن علاقاته—مهما كانت مثيرة للجدل—تبقى شأناً شخصياً طالما أنه لا يصبّ المزيد من السمّ على الجزائر. لكن صنصال اختار أن يذهب أبعد بكثير. ففي فرانس إنتر تجرّأ على القول إن "كل منطقة القبائل تتبنى أطروحات حركة الماك"، وهي حركة مصنفة إرهابية في الجزائر. و هذا غير صحيح واقعياً؛ فلو كانت كل منطقة القبائل تطمح للانفصال لكان الأمر ظاهراً ومسموعاً على نطاق واسع. عملياً، فإن وجود هذه الحركة في القبائل يبقى محدوداً، وهذا أكثر صحة خارج الجزائر. ومع ذلك، لم يتوقف صنصال عند هذا الحد، بل ذهب إلى حد القول إنه "فرنسي بالولادة" بما أنه وُلد في عهد "الجزائر الفرنسية"، في طرح وُصف بالسفسطائي. لقد فعل كل ما يمكن فعله لجذب انتباه السلطات الجزائرية، في مزايدة غير عقلانية من الاستفزازات، وحصل على ما أراده وربما أكثر مما توقّعه. إنها نهاية ثلاثة أسابيع من الفوضى الكاملة. فالرجل، في سن ال81، لا يبدو أنه سيتغيّر؛ فقد بنى شعبيته على تبنّي هواجس المعادين للجزائر في فرنسا، ولا يزال على نهجه. لا يجهل صنصال حساسية القضايا التي يتلاعب بها، ولا يجهل الألغام التاريخية التي تحكم علاقة فرنسابالجزائر منذ الحقبة الاستعمارية، ولا يجهل كيف توظّفها أحزاب اليمين المتطرف انتخابياً. وكما تفعل زعيمة التجمع الوطني، مارين لوبان، يعمل صنصال على تأجيج بلد يواجه الكثير من المشاكل ويعاني أصلاً من الانقسام... و بعد كل هذا "العمل التدميري"، أراد الكاتب العودة بكل بساطة إلى الجزائر، وكأن شيئاً لم يكن. فإما أنه ساذج إلى حد كبير، أو متهوّر بطبيعته، أو أن ما يدفعه—أطروحات اليمين المتطرف واليمين المتشدد أمثال روتايو "صديقه"—أقوى بكثير من عقلانية "المثقف المستنير". وفي كل الحالات أصبح صنصال مشكلة، لنفسه، وللجزائر، ولباريس أيضاً. كان يقول إنه يريد العودة سريعاً إلى الجزائر، معتبرًا ذلك "حقاً مطلقاً" له. تحدث عن حاجته لاسترجاع ممتلكاته، وعن روابط عائلية، وعن جذور تاريخية. ووعد بأن يلتزم الهدوء، وأن يراقب كلماته لإعطاء فرصة للتقارب بين باريسوالجزائر، في خطوة شجّعه عليها الرئيس إيمانويل ماكرون. لكنه لم يفِ بوعده... سمعناه يقول إنه يحلم بالصعود إلى الطائرة مع ماكرون لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مسعى لترسيخ المصالحة. لكن من الواضح أن هذا السفر، إن حدث، سيكون بالتأكيد من دون صنصال. فقد نجح الرجل في نيل نفس وضعية "العدو رقم 1 للجزائريين"... برونو روتايو. اشترك في النشرة الإخبارية اليومية لتونس الرقمية: أخبار، تحليلات، اقتصاد، تكنولوجيا، مجتمع، ومعلومات عملية. مجانية، واضحة، دون رسائل مزعجة. كل صباح. يرجى ترك هذا الحقل فارغا تحقّق من صندوق بريدك الإلكتروني لتأكيد اشتراكك. تعليقات