خلال سنوات الثورة السبع نظمت العديد من الندوات التي تطرقت إلى المشكل الاقتصادي الذي يؤرق البلاد ويمنعها من الإقلاع واستمعنا إلى عشرات الاقتصاديين والخبراء في المجال المالي من الذين أطنبوا في تشريح وضع البلاد وبيان المآزق والاكراهات التي تمثل مكبلات ومعوقات تمنع من الخروج من النفق المظلم .. وبعد كل هذا الحديث عن وضعنا الاقتصادي وحالتنا المالية حصلت قناعة واضحة فرضت نفسها وهي أنه رغم الصعوبات فإن الحلول موجودة ورغم المشاكل التي تتعب اقتصادنا فإن المقترحات متوفرة والخروج من حالة الوهن ممكن فالكثير من المختصين في المجال المالي والاقتصادي قد قدموا مقترحات وحلولا وأفكارا مهمة يمكن الاستئناس بها أو اعتمادها للخروج من حالة الركود وتحقيق النهضة المرجوة. ولكن في كل مرة كان السؤال الذي لا نجد له جوابا مقنعا هو لماذا لا يستمع السياسيون لما يقوله رجال الاقتصاد؟ ولماذا من يمارس الحكم لا يعمل بما يقترحه الخبراء الاقتصاديون؟ وهل يقرأ من يتولى إدارة الشأن العام ما يكتب في الموضوع الاقتصادي وما ينشر من تغطيات صحفية لندوات تهتم بالشأن المالي؟ وقد كانت القناعة في كل مرة تتأكد من أن من يحكمنا لا يهتم بما يقوله رجال الاقتصاد ولا يقرأ ما ينشر ويكتب حول وضعنا المالي وحول الحلول الممكنة والمتاحة للنهوض باقتصادنا وأن من يمارس الحكم ينتهج سياسة وبرامج وأفكارا لا علاقة لها بما يقال في كل الندوات التي أثثت منذ الثورة ويطبق سياسات مفروضة علينا من جهات خارجية لا تزال إلى اليوم تمارس وصايتها وتفرض حلولها وبرامجها ولعل هذه الحقيقة هي التي تفسر لماذا لا يصغي السياسي لرجل الاقتصاد ولماذا لا يسمع كلام الخبراء والمختصين؟ ومن القناعات الأخرى التي حصلت بعد كل هذا الكم الهائل من المعلومات التي وفرتها العديد من الندوات الاقتصادية قناعة أن البلاد لا يمكن لها أن تنهض من جديد وتحقق التقدم الذي ينتظره كل من قام بالثورة إلا بتحقق مشاريع كبرى تنتج الثروة وتوفر مواطن شغل كثيرة وتدفع بالبلاد نحو النمو وقناعة أنه حتى نستعيد عافيتنا نحتاج إلى قائد سياسي أو مجموعة سياسية تتولى إدارة الشأن العام وتكون حالمة ومتخيلة لتونس مزدهرة ومتفوقة وتحمل معها مشروعا سياسيا واقتصاديا واضح المعالم ينخرط فيه الجميع ويقتنع به الشعب.. إننا نحتاج إلى قيادة سياسة تكون لها رؤية واضحة وبرنامج عمل واقعي وطموح يحمل معه الشعب ويدفعه إلى السير وراء قيادته بكل ثقة وأمان. ما ينقصنا اليوم هو المشروع الحلم والبرنامج والرؤية الحالمة والإستراتيجية التي تجعل كامل الشعب ينخرط في مشروع وطني يحقق النمو والنهضة والتقدم. خلال حملته الانتخابية لسباق الرئاسية لسنة 2016 تقدم المرشح الكونغولي «نوال تيساني» ببرنامج انتخابي حاول أن يقنع به الشعب الكونغولي وطالبه أن يدعمه ليصبح رئيسا للبلاد حتى يحقق أحلام الشعب وينهض بجمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا البرنامج الانتخابي يقوم على ما أسماه «مخطط مارشال» يحتوي على خمسة أفكار أساسية تمثل رؤيته للكيفية التي يراها لنهضة البلاد وبرنامجه لتطوير الاقتصاد وتحقيق التقدم وهي: أولا إن أي سياسة حكومية تحتاج لكي تتحقق إلى مدة زمنية لذلك فهو يحتاج إلى مدة 15 سنة حتى يتمكن من تحقيق برنامجه الذي يعد به. ثانيا: لا بد من التسريع من نسق التصنيع وخلق مناخ يسمح للقطاع الخاص من أن ينفتح على ميدان الصناعة فمن دون نهضة صناعية لا يمكن أن يتحقق للبلاد أي تقدم. ثالثا: تخصيص مبلغ مالي قدره 800 مليار دولار للنهوض بالتربية والتعليم والصحة والبنية التحتية. رابعا: البلاد لا يمكن لها أن تحقق الاقلاع الاقتصادي من دون ربط التجمعات العمرانية الكبرى بشبكات من الطرقات المتطورة والعصرية. خامسا: إنشاء مواني ومطارات تسمح بتوفير الظروف المناسبة حتى تتمكن البلاد من تحقيق الانتاج بكثافة وتسويقه للخارج في سبيل أن يتحسن مستوى عيش المواطن. وحين سئل عن الكيفية التي يقترحها لتمويل برنامجه الاقتصادي قال إن خط التمويل الذي يعتمده لتوفير الأموال اللازمة هو ما ستجمعه الدولة من أموالها الضائعة وغير المستخلصة ومما سيعود لها من محاربتها للفساد ومن خلال تمويل ذاتي بالدرجة الأولى يقوم على مقومين: الأول عائدات الاستثمار والثاني الاستغلال الجيد لعائدات الموارد الطبيعية المقدرة ب 680 مليار دولار .. ويضيف فيقول: إن موارد الدولة اليوم ضعيفة بسبب أن من يملك المال والثروة لا يؤدي واجبه الضريبي ولا يدفع حق الدولة عليه وهذا يحتاج إلى نظام رقابي ناجع ونظام حوكمة صارم خاصة إذا علمنا أن 85% من عائدات الموارد الطبيعية لا تدخل إلى خزينة الدولة وهذا يعني أن الدولة لا تستعمل إلا 15% فقط من الأموال التي تتوفر لها وهذا ما يجعلها في حرج وعجز من تلبية حاجيات التنمية بالبلاد. وينهي هذا المرشح الكونغولي للانتخابات الرئاسية حديثه عن برنامجه الطموح بقوله لو أننا جادون في تحصيل الأموال الضائعة والتي لا تدخل إلى خزينة الدولة والأموال المهربة فإننا نستطيع أن نرفع في موارد الميزانية ونقدر على إدارة البلاد بطريقة أجدى وأفضل. ما يعنينا في خطاب هذا المرشح الكونغولي وما يهمنا في كلامه ليس عناصر البرنامج الذي يدافع عنها وإنما المهم هو الرؤية والإستراتيجية التي يتبناها . والخلاصة التي ننتهي إليها هي أنه لتحقيق الأهداف نحتاج إلى استراتيجية واضحة وإلى رؤية متكاملة وإلى حيز زمني معقول وإلى شعور وطني يسمح بمقاومة الفساد وكل مظاهر هدر المال العام والتفريط في عائدات الثروات الطبيعية.. ما يعنينا هو الدرس الذي يقدمه وهو أن أي نجاح سياسي يحتاج إلى أهداف وإن قلت فقط أن تكون واضحة وإلى خطة عمل لتحقيقها وتمشي واضح.